الأربعاء، 4 يناير 2017

المسؤولية الإعلامية لإنهيار الإتحاد السوفيتي دراسة وصفية تاريخية


أ.م.د.رضوان خضر علي                                   أ.م.د.حبيب مال الله ابراهيم


ملخص
تؤكد أغلب دراسات علم الإجتماع السياسي التي تتعرض لأسباب إنهيار الإتحاد السوفيتي، والتي إعتمدناها كمصادر أساسية للإستقصاء في هذه الدراسة، تؤكد على وجود مجموعة هائلة من الأسباب الموضوعية والذاتية التي تراكمت داخل المجتمع السوفيتي وأدت إلى تفككه السريع وذلك حصراً في الوقت الذي غزت عوارض "الشيخوخة" والضعف مفاصل وفقرات هذا النظام، ثم أن طبيعة النظام السياسي للدولة والمجتمع السوفيتي بفجواته الناتجة عن الإيديولوجية الوحدانية الجانب وقصر النظر في رؤية التحولات الإجتماعية والإقتصادية داخل وخارج الإتحاد السوفيتي، بالأخص إهتداءاته في مجال الإعلام الحزبي، من جهة؛ ومن جهة أخرى الضربات التي تلقاها من الإعلام الموجهمن المناهضين للنظام من الخارج، ومساعدة رعيل من الإعلاميين المهنيين المعادين، لإختيار الأهداف الدقيقة، ثم تحديد الوقت المناسب ليضمنوا لسلاحهم التأثير الدعائي الكبير مفعولاً قوياً ليكون بمثابة "الهشيم في النار" كلها كانت عوامل ساعدت بالنتيجة إلى الإنهيارالسريع للإتحاد السوفيتي. على أن العداء الواضح والحازم من الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، على مدى عقود من الزمن، لم يكن بوحده قادراً على تعطيل الآلة العسكرية وتفتيت النظام السوفيتي ووقف فعالية مؤسساته المركزية ما لم تجتمع جميع شروط الحرب الإعلامية والنفسية الحاسمة، وما لم يبلغ التآكل الداخلي والضعف الإقتصادي والترهل السياسي من الداخل درجة عالية من الوهن والضعف؛ وأخيراً، عدم إرتقاء أساليب الإصلاح والمعالجة ككل للدرجة المطلوبة من الفعالية والتأثير لوقف الإنهيار، بما في ذلك وسائل الإتصال الجماهيري.
مقدمة
"السلاح الفتاك" الذي أُستُخدم في محاربة الإتحاد السوفيتي وأدى إلى إنهيارهبل وغيابه من الوجود،شغل حيزاً كبيراً من إهتمامات المحللين السياسيين والباحثين في العقدين الأخيرين.وما زالت التخمينات حول درجة تأثير هذا السلاح وظروف إستخدامه محط أنظار الكثيرين من الباحثين في العالم أجمع، وبشكلٍ خاص في أوروبا الشرقية والغربية. فما هي طبيعة هذا السلاح وكيف تم إستخدامه بنجاح؟ وما هي تأثيراتهومميزاتهفي الحرب التي إتصفت "بالباردة"؟ ولماذا وكيف أقر السوفييت، وبجيشهم القوي، بخسارتهم للمعركة وقبولهم للقوانين المفروضة عليهم من أعدائهم بدون مقاومة تذكر؟ وبالأخص حينما نعلم بأن ذلك الجيش، كان عشية الهزيمة، أكبر جيش في العالم حجما ًوثاني أكبرجيش قوة وعتادا وبأكبر إحتياط بشري قرابة (20) مليون نسمة بالإضافة إلى عددٍ مماثل من الإحتياط، أعضاء الحزب الشيوعي (20 مليون) ومنظمات الكمسمول والطلائع ومجموع أعضاء الإتحادات المهنية. بإختصار كان الإتحاد السوفيتي عشية إنهياره، دولة تعتبر جميع مواطنيها البالغين سن الرشد تحت الخدمة الإلزامية۔([1])
وأخيراً، كيف تجمدت كل هذه القوى الجبارة وفقدت تأثيرها وسقطت من الوجود وبدون أطلاق رصاصة واحده؟ هذه هي الأسئلة المحيرة التي ما زالت الأوساط السياسية والعلمية تبحث عن أجوبة كافية وشافية لها بينما تستمر الأكاديميات العسكرية والإعلامية المختصة بشكلٍ خاص بـ"الإعلام الحربي"، في مختلف بلدان العالم بدراسة الوسائل المستخدمة في هذه الحرب والأسلحة غير التقليدية، للإستدلال على النتائج الحاسمة ومؤشرات فعاليتها في تحقيق التقدم على العدو.
تقوم هذه البحوث والدراسات بتمحيص عينات المواد الدالة والمتبقية من "الحرب" في أرشيف الإذاعات في عهد السموات المفتوحة والأفلام التي تبث عبر الشاشات الساحرة والموحية بعالم إفتراضي وكتابات الصحف والمجلات والكتب. كل ذلك لإجتراح الدروس والعبر من إستخدامات هذا السلاح، والإحاطة بمجمل تأثيراته وحساب آثاره على أرض المعركة التي لم تخلف ضحايا ودماء وخراب ودمار يذكر. نعم حرب باردة بوسائل تكاد تكون غير مرئية وبمردودية عالية. فكيف حدث ذلك وما هي الدروس الإعلامية من هذا الصراع الغير مفهوم أدواته إلى الآن للكثير من الناس؟
وهذا السؤال يجعلنا نستفسر عن اسباب اخرى، غير المعروفة، فإذا لم يكن أختفاء الاتحاد السوفيتي بفعل أزمة أقتصادية ومالية ولا بفعل حرب كلاسيكية أومؤامرة دولية، فما السر يا ترى في الإختفاء السريع لهذه القوة العظمى ([2]) التي كانت ما تملكه من سلاح يكفي لدمار كوكبنا برمته عشرات المرات.
لكننا قد نحصل على أطراف أجوبة تفصح عن سر المعركة التي كانت قائمة منذ فترة طويلة ضد الإتحاد السوفيتي في تصريحات الرؤساء الأمريكيين للإستدلال عن نتائج تلك المعركة، والتي  كانت تأخذ طريقها "بهدوء" لإزالة هذا البلد ذو التسمية الإيديولوجية  "الإتحاد السوفيتي" من الخارطة السياسية في العالم. من ذلك ما صرح به الرئيس الأمريكي رونالد ريغان عام 1982 بأن الاتحاد السوفييتي "إمبراطورية الشر"([3])؛ تماماً وبنفس الوقع والمؤدى، وبعد أكثر من عقدين من الزمن، جاءت كلمة رئيس آخر لأمريكا وهو جورج بوش، بأن "هيمنة الاتحاد السوفيتي السابق على وسط وشرق أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية كانت "احد الأخطاء الكبرى في التاريخ"([4]). وهكذا أننا نفهم الآن من عنف إصطدام المفاهيم وشدة تعارضها أبعاد تلك المعركة "الباردة" وعمق آثارها وفداحة النتائج التي تركتها بغير دماء.
أولاً:  الاطار المنهجي للبحث
١. مشكلة البحث
يحتل الاعلام مكانة متميزة في هيكلية الدول، على اختلاف انواعها، لما له اهمية في ربط اجزاء النظام السياسي بعضه بالبعض الاخر ويخدم السياستين الداخلية والخارجية من خلال تشكيل الصورة الذهنية للدولة ولنظامها السياسي، وقد اعطت الدول باختلاف انظمتها أهمية لوسائل اعلامها بسبب فاعليتها في مواجهة الثقافة الخارجية وربط المواطنين بالثقافة السائدة في الدولة، رغم وجود تحديات تتمثل بالبث القادم من الخارج مما يساهم الى حد كبير في تأثر المواطنين به ما يخدم سياسة دول اخرى وقد يسعى الى زعزعة الثقة بالنظام السياسي السائد وغرس الاعجاب بالنماذج الثقافية والسياسية التي تروج لها تلك الوسائل.
تتمثل مشكلة البحث في الكشف عن نوعيةالتحديات الاعلامية التي واجهت الاتحاد السوفيتي السابق وجسامة مسؤوليتها الإعلامية في التقهقر والتراجع أمام الإعلام المعادي والمناهض كأحد الأسباب الرئيسية المساهمة في الاسراع بانهياره على كل الأصعدة؛ ثم التحقق من عدم قدرة الاعلام السوفيتي على مواكبة التطورات التقنية والفنية لصد هجمات ومحتوى الاعلام الغربي الموجه الى المواطن السوفيتي.
٢. فرضيات البحث
هذه المشكلة تقودنا إلى طرح فرضيتين على الأقل، للتحقق من أن الإتحاد السوفيتي كان يواجه عدة تحديات على صعيد التنظيم الإعلامي ومنها:
أ. إحتكار الدولة السوفيتية لملكية جميع الوسائل الإعلاميةووضعها في خدمة إيديولوجية الدولة وتحقيقأهداف سياستها المتشددة على كل الصعد لتحول دون مواكبتها للتطور النوعي وتبقيهاغير قادرة على منافسة مناهضيهافي الفعالية والمردودية التأثيرية كما في المجالات التقنية والفنية.
ب. تحديات تتمثل بوصول محتوى الاعلام الغربي الى المواطن السوفيتي مما اثر في زعزعة ثقته بنظامه السياسي والاقتصادي والاعلامي السائد و في زعزعة مواقفه في مواجهة التحديات.
٣. تساؤلات البحث
نسعى في هذا البحث للاجابة عن الاسئلة التي يدور حولها الشك او يكتنفها الغموض او التي تحتاج الى تحليل وتفسير وهي التساؤلات التالية:
أ. ما هي ابرز التحديات المتمثلة بضعف الاعلام السوفيتي الذي اصبح مسؤولاَ عن توجه المواطن السوفيتي للحصول على المعلومات من الاعلام الغربي؟
ب. ما هي ابرز المؤسسات الاعلامية الغربية الموجهة ضد الاتحاد السوفيتي السابق؟
ج. لماذا لم يستطع الاعلام السوفيتي مواكبة التطورات في المجال الاعلامي؟
د. ما هي ابرز المعوقات التي واجهت الاعلام السوفيتي؟
هـ. الى اي مدى ساهم الاعلام الغربي الموجه في زعزعة ثقة المواطنين السوفيت بالنظام السياسي الحاكم؟
و. ما هي السياسات الاعلامية التي اتبعها الاتحاد السوفيتي السابق للتصدي للاعلام الغربي الموجه؟
٤. اهداف البحث
يهدف هذا البحث الى التعريف بدور الاعلام السوفيتي ومساهمته في اطار تنفيذ السياسة الداخلية والخارجية للدولة، كذلك فهم دوره في اطار الوظيفة التي اضطلع بأدائها ضمن هيكلية النظام السياسي القائم آنذاك، بالرجوع الى البحوث السابقة التي اجريت في هذا المجال.
كما يهدف البحث الى تحليل بنية الاعلام الغربي الموجه للاتحاد السوفيتي وهيكليته والسياسات الاعلامية التي تسعى لتحقيقها في اطار الحرب الباردة التي نشبت بين المعسكرين الغربي والشرقي، والذي استخدم فيه الإعلام كسلاح فعال. ويهدف البحث الى الوقوف على المسؤولية التي وقعت على عاتق الاعلام السوفيتي من جهة والاعلام الغربي الموجه من جهة اخرى في انهيار الاتحاد السوفيتي.
٥. أهمية البحث
حسب إطلاعنا تعتبر هذه الدراسة الأولى من نوعها من حيث وضع المسؤولية الإعلامية المباشرة على رأس قائمة الأسباب التي أدت لإنهيار الإتحاد السوفيتي. وبذلك تملك الدراسة أهمية إستثنائية من بين جميع تلك الدراسات المعدة حول هذا الموضوع، حيث وضعنا نصب أعيننا وبالتحليل الوصفي وحسب التدرج التاريخي للوقائع، تلك الأحداث والوقائع التي لعبت دور السلاح الفتاك الأول المستخدم في الصراع.
٦. حدود البحث
تنحصر حدود البحث الموضوعية في متابعة الجوانب الوظيفية للإعلام السوفيتي ككل، من حيث إهتداءاته الإيديولوجية والمعرفية والنظرية والعملية وبالأخص في التوجيه والتوعية والتلقين السياسي والفكري والثقافي والترفيهي ومدى تقاطع أو تنافر هذه المبادئ والإهتداءات مع نظائرها في دول أوروبا الغربية وأمريكا. أما من حيث الحد الزمني فنتلقف من حيث المبدأ فترة نشوء الحرب الباردة 1948-1991 مع التركيز على أهم المراحل التي عرفت المجابهة بين المعسكرين  في الحرب النفسية والإعلامية وبدت "المسؤولية الإعلامية" واضحة في رصد مؤشرات التضعضع والركود في منافسة الإعلام السوفيتي أمام منافسيه في البلدان الغربية.
٧. إجراءات البحث
لتسهيل فهم الإختلافات والفروقات الجوهرية بين توجهات الإعلام في كلا المعسكرين، لابد من الوقوف على بعض التفاصيل في صلب المهام والأهداف وسائل الطرفين، وهي منبثقة أصلاً من إهتداءاتهما الإيديولوجية كخيار معتمد بشكلٍ  نهائي. وعليه فأن إلقاء الضوء على جوهر المعضلة من الناحية الإعلامية بين المعسكريين يملك أهمية إستثنائية لفهم طبيعة التنابذ والتنافر لوظيفة الإعلام في كلا الجانبين.
٨. التعريف بالمصطلحات
أ. المسؤولية الإعلامية
نقصد "بالمسؤولية الإعلامية" التقصير الإعلامي أو الإستعمال الخاطئ لوسائل الإعلام وبالشكل الإيديولوجي الجامد الذي أدى إلى إلحاق الضرر بالجماهير وعامة الناس. لأن مسؤولية الإعلام السوفيتي كانت تكمن في عدم ارتباطه الحقيقي بالمجتمع وإنقطاعه عن هموم الناس ومطالبهم الحياتية العادلة وإهماله لشؤونهم ومطالبهم وعدم الإكتراث بقضاياهم المعاشية والحياتية اليومية. ثم نقصد بالمسؤولية كمصطلح تحديداً، الجهات المسؤولة في الحزب الشيوعي والقيادة السوفيتية العليا، المتبنية "للنظرية الإشتراكية السوفيتية في الإعلام" والتي تم بها الإساءة والتعسف في إستخدام وسائل الإعلام، رغم أن الخطأ المقترف قد يكون أحياناً إيجابياً لكن يؤخذ عليها لغة الغلو و أخذ الشيء حسب نظرة قوالبية جاهزة.
إن المبادئ الرئيسية لهذه النظرية التي وضع أساسها ماركس وانجلس ووضع قواعد تطبيقها لينين وستالين يمكن إيجازها في ان الطبقة العاملة هي التي تمتلك السلطة في المجتمع الإشتراكي، وحتى تحتفظ هذه الطبقة بالسلطة والقوة فإنها لابد ان تسيطر على وسائل الإنتاج الفكري التي يشكل الإعلام الجزء الأكبر منها، لهذا يجب ان تخضع وسائل الإعلام لسيطرة وكلاء لهذه الطبقة العاملة وهم في الأساس الحزب الشيوعي.([5])
ب. الحرب الباردة
"الحرب الباردة" تعني  المنافسة المضطربة التي كانت توجد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وحلفائهم من فترة منتصف الاربعينيات حتى أوائل التسعينيات". والحرب الباردة كمصطلح بالمفهوم التقليدي([6]): هوالصراع بالوسائل الإعلامية والدعائية حول مسائل القيم الإيديولوجية والثقافية الفكرية والفلسفية، المختلفة عليها في سياسة القطبين الرئيسيين في النظام العالمي، الكتلة الشيوعية والكتلة الرأسمالية. وما يهمنا هنا هو التركيزعلى وسائل الإعلام كحاملة لمضمون هذا الصراع، وبالتحديد معرفة: إلى أي مدى أدى إنتاج وسائل الإعلام في تكريس العداء وإستمراره بين طرفي الصراع ومن حقق فيه الغلبة وفي أية ميادين حصراً؟ وإلى أي مدى خلقت وسائل الإعلام شرخاً في الحالة الايديولوجية للطرف الآخر، أو ساهمت في الحفاظ على التماسك السياسي والثقافي؟
٩. الدراسات السابقة
على حد علمنا لا توجد دراسة حتى الآن، تحديداً بهذا العنوان، في مجمل المصادر التي إستطعنا التحقق منها باللغات الروسية والفرنسية والإنكليزية والعربية. على أن أطراف الحديث عن "تقاعس ما" في الإعلام السوفيتي وعدم تصديه بالشكل المطلوب للهجمات الغربية أي حالة ما من "المسؤولية الإعلامية"، توجد بشكلٍ مبعثر في العديد من المراجع والمصادر باللغات المشار اليها. أن أهم المصادر المتناولة لموضوع المجابهة الإعلامية بين المعسكريين الإشتراكي بزعامة الإتحاد السوفيتي والغربي بزعامة أمريكا والتي تسنى لنا التعرف عليها هي المصادر التالية:
أ. دراسة ن.أ. بروسنيتسين: الحرب الإعلامية والأمن([7])- دار نشر "فيتا"، موسكو 2001. كتاب قيم وشامل يتناول فيه الكاتب مجموعة من المواضيع في غاية الأهمية بالنسبة لموضوعنا. "التضليل الإعلامي في الحرب"، "الفضاء الإعلامي"، "طبيعة المواد الداخلة في الحرب النفسية"، "العمل خلف جبهات العدو"، "الحرب الإعلامية الداخلية"، "مشاكل الحرب الإعلامية" وغيرها من المواضيع المثيرة والفائقة الأهمية في الحرب الإعلامية. ويفيد الكتاب كثيراً في التعرف على بدايات الحرب الإعلامية الحديثة والوسائل والأساليب المستخدمة لتحقيق الأهداف المعنوية وإلحاق الضرر بالأعداء.
ب. دراسة ديمتري بيلياييف: دمار في الرأس: الحرب الإعلامية ضد روسيا، موسكو - 2015([8])
يتناول المؤلف موضوعات في غاية الأهمية لعالمنا المعاصر ليظهر لنا حقيقة الصراع الدائر بين القوى العظمى على قيادة العالم، والأساليب المستخدمة للمنافسة والصراع، وعلى رأسها الحرب النفسية والإعلامية. يحاول المؤلف في كتابه الإجابة على الإستفسارات التالية: ما هي الأسباب الحقيقية للصراع الحضاري الكبير في العالم؛ طبيعة الأسلحة "الفتاكة" المستخدمة ضد الأعداء الجيوإستراتيجيين؛ ومن هم أطراف هذا الصراع في العالم.لكن على العكس مما يوحي به عنوان الكتاب وعلاقة ذلك المباشرة لسلاح الإعلام،  ركز المؤلف إنتباهه على الأغلب على التقنيات الحديثة في إستكشاف تأثيرات أنواع الأسلحة البيولوجية والجرثومية الفتاكة والجيل الجديد من الأسلحة الإلكترونية في إضعاف معنويات العدو وتحقيق التفوق بدون خوض معارك. وبالأخص تأثير ذلك في حملة سباق التسلح التي أدت إلى إرهاق الإقتصاد السوفيتي وإفراغ خزينته، مما أثر على إنكماش في الجوانب الأخرى من الإقتصاد وعدم تنفيذ خطط التطور في مختلف مجالات الحياة.
ج. دراسة: ف.ك. نوفيكوف: السلاح الإعلامي-أسلحة الحروب الحديثة والقادمة، موسكو، 2014 (الطبعة الثانية منقحة).([9])
يضع المؤلف نصب عينه مقارنة وتصنيف تأثيرات الأسلحة الإعلامية والأسلحة التقنية الحديثة وأهمية المزج بينها في التأثير على المعلومات الخفية أو المتوفرة بواسطة المخابرات، والطابور الخامس العاملخلف جبهات "العدو" في تأمين وسائل المجابهة. ويخصص قسماً كبيراً من دراسته حول المعاداة بالطرق التقنية المتقدمة كأشعة لايزر والفيروسات الإلكترونية وخرق شبكات الإتصال والنيل من سلامة النقل والتلوث البيئي والحرب الفضائية وغيرها. ويذكر المؤلف في نفس الوقتمعلومات نادرة على مجموعة من الإبتكارات الباهرة التي تجمع بين الإستنباطات الفيزيائية وآثارها النفسية، التي لا تستدعي إستخدام القوة الفيزيائية بل القوة الخيالية الخارقة، وذلكللتحكم في سلوك الجماهير والسيطرة على مهجهم ولفت إنظارهم إلى إهداف أخرى غير تلك التي تستحوذ على الأهمية الحقيقية. وينتهي إلى الإقرار بالحقائق التي تجعل السيطرة على الآخر بطرق التحكم في الذبذبات الإلكترونية أهم حيلة في الخرق والإطلاع على الخفايا والأوضاع الحقيقية.([10])
ثانيا. جوهر التعارض في وظائف الإعلام بين المعسكرين
١. خصوصيات الإعلام السوفيتي
ان المجتمعات الاشتراكية تفترض أنها مجتمعات لا طبقية، وبالتالي لا وجود لصراع الطبقات، لذلك لا ينبغي ان تنشأ وسائل الإعلام على أساس التعبير عن مصالح متعارضة حتى لا ينفذ الخلاف ويشكل خطورة على المجتمع.ومن هذا المنطلق يمكننا تحديد وظائف الصحافة السوفيتية وأهدافها فيجملة واحدة "الأداة والمحرك الأول في الدعاية لمبادئ الحزبوبناء الإشتراكية "وهي"سلاح الحزبالعقائدي الحقيقي والقوي في تحريك وتربية الجماهير". ويعتبر العمل في الصحافة عملاً حزبياً بالدرجة الأولى"([11]). إذاً، المبدأ الرئيسي في السياسة الإعلامية كان يمكن إختصاره بـ"مبدأ الحزبية"، حيث رفض لينين- مؤسس الصحافة الشيوعية الأول، مبدأ حرية الصحافة حيث ذكر "أن حرية الصحافة في العالم كله، حيث يوجد رأسماليون، توجد فقط حرية شراء الصحف-حرية شراء الكتاب-حرية شراء وصناعة "الرأي العام" ليخدم فقط البرجوازية"([12]). وبذلك منعت من الإصدار في كل الإتحاد السوفيتي أية وسيلة إعلامية خارج هذا الإنتماء الحزبي. ومن هذا التحديد تنحدر جملة من الأهداف التنفيذية والتي يمكن إختصارها بالشكل التالي:
أ. السعي لديمومة النظام الاشتراكي بقيادة دكتاتورية البروليتاريا وطليعتها الحزب الشيوعي، حيث تعود له ملكية وإدارة وسائل الإعلام.
ب. إعطاء الأولويةلإستخدام وسائل الاتصال وقنوات الإعلام لأعضاء الحزب والموالين أكثر من الأعضاء المعتدلين.
ج. خضوع وسائل الإعلام للرقابة الصارمة للسلطة السوفييتية- سلطة العمال والفلاحين.
د. خدمةوسائل الإعلام لرؤية كاملة للمجتمع والعالم طبقا لنظرة الحزب الشيوعي- القائد الوحيد والفريد للدولة ولا يقر بالتعددية الفكرية والإعلامية، معتبراً حرية الإعلام بدعة رأسمالية يراد بها إضعاف نفوذ البروليتاريا.

٢. إهتداءات الإعلام الغربي
تعرف نظرية المسؤولية الاجتماعية في الإعلام بأنها: "مجموعة المعايير والضوابط التي يجب على الصحافة مراعاتها أثناء تأديتها لواجبها أمام المجتمع، وفي مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بحيث يتوفر في معالجاتها وموادها القيم المهنية كالدقة والصدق والشمول. وتقضي مضمون هذه النظرية بضرورة إنزال عقوبات قانونية ومحاسبة الصحفيين المخالفين للوائح والمعايير والقوانين المنظمة للعمل الإعلامي. أن تلك الضوابط والقوانين تسمح كذلك للرأي العام،والمؤسسات المدنية والأفراد الوقوف على المخالفات وإجراء رقابة دقيقة على المهنة. وهي جاءت نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل الموضوعية للتطورات الفكرية والإقتصادية والمعايير الأخلاقية كأسباب ودواعي لوضع هذه المعايير والقوانين، وهي جميعها تهدفصيانة الحريات العامة للأفراد والجماعات من تطاولات الإعلام، والحفاظ على مبادئ الحرية في أطرها العامة المفيدة وتبقيها بعيدة عن التأثيرات الذاتية والإنحرافعن مفهوم الحرية. ويرى واضعوا هذه النظرية ان الحرية حق وواجب ومسؤولية في نفس الوقت،وان تعهد وسائل الإعلام بالقيام بالتزامات معينة تجاه كافة شرائح المجتمع، تستدعي وضع "مستويات أو معايير مهنية للإعلام مثل الموضوعية والتوازن والدقة([13]) ويجب أن تكون وسائل الإعلام تعددية تعكس تنوع الآراء والأفكار في المجتمع من خلال إتاحة الفرصة للجميع بالنشر والعرض، كما ان للجمهور العام الحق في ان يفرض على وسائل الإعلام مستويات أداء عالية، و الإلتزام بالمصلحة العامة".([14])
أن مجموع ما توحي به وتفرضه هذه النظرية المعتمدة منذ حين في دول أوروبا الغربية وأمريكا والعديد من الدول السائرة على طريق الديمقراطية يمنع وسائل الإعلام من الدعاية المغرضة للعنصرية والتحريض على العنف أو نشر ما يخل بالشرف والآداب العامة أو عرض ما يساعد على إنتشار الجريمة أو ما يسيئلحقوق الاقليات والشرائح المعرضة للخطر أكثر من غيرها في أي مجتمع، كما يحظر على وسائل الإعلام التدخل في حياة الأفراد الخاصة؛ وتحث القطاع العام والخاص على إمتلاك وسائل الإعلام، رغم  تشجعيها الواضح للقطاع الخاص.

ثالثا.الركائز الإيديولوجية لبناء الإتحاد السوفيتي
١. الاسس الايديولوجية
لقد كان الإتحاد السوفيتي أول دولة في العالم تأسست على ركائز إيديولوجية بحتة. وفي بداية تكوينه أبهر العالم أجمع بمبادئه "المثالية" البراقة، وبقي على مدى قرابة ثمانية عقود محط أنظار الشرائح الفقيرة والعمال والفلاحين في العالم أجمع، وبالأخص حظيت مبادئ هذه الدولة في إلغاء الفروقات الإجتماعية بين الطبقات وإنهاء الإستغلال الإجتماعي بإعجاب ممثلي نقابات هذه الشرائح في العالم أجمع.
لقد كان دفاع الدولة السوفيتية عن مبادئ المساواة بين القوميات والشعوب ودعوتها "تحرير الإنسان من ظلم الإنسان" ايضاً من المبادئ التي إستثارت حفيظة الدول التقليدية العتيدة في القارة الأوروبية العجوزة، أما شعاراتها المثيرة حول إنهاء الصراع الطبقي ونبذ كل أنواع الإستغلال الإجتماعي والإقتصادي والسياسي فكانت على الدوام أسباب قائمة لنشوء تعارض وتنافس بينها وبين الدول ذات النظام الرأسمالي. لقد خلقت الديناميكية الجديدة المتولدة من الثورة البلشفية ودعواتها المثالية في العدالة الإجتماعية لإهتزاز نظم العالم القديم وما خلقه من نماذج قائمة على تكريس التباين الطبقي والقومي. أما الطبقات الفقيرة من العمال والفلاحين في مختلف أرجاء العالم فقد وجدت فيها أملاً كبيراً بوصول موجات التحرير المنبعثة منها اليهم.
كان ذلك بوحده حافزاً كافياً لتحريك الدول الأوروبية ذات النزعة البرجوازية القومية، بحدودها القومية الجديدة، لتجييش قواها وتوحيد صفوفها لمحاربة هذا الخطر "الأحمر" الداهم. وفي نفس الوقت رفعت هذه النزعة من شأن روسيا- التي كانت في بداية الثورة دولة زراعيةمتخلفةإقتصادياًوإجتماعياًوعسكرياً وزادت من شكيمتها في نظر منافسيها الأوروبيين. لقد وضعت الثورة الشيوعية أسس جديدة للإقتصاد والعلاقات الإجتماعية وإجترحت حلولاً ناجعة للمسألة القومية التي كانت مستعصية على الحل أبان الإمبراطورية القيصرية المترامية الأطراف. ووضعت بذلك روسيا "الثورية" وجهاً لوجه ضد العالم "المحافظ" على علاقات الإستغلال الطبقي والإستعمار التقليدي، وإستمالت بذلك الحركات السياسية للقوى العاملة والأحزاب الإشتراكية في الدول الأوروبية لجانبها وكذلك حركات التحرر لشعوب العالم الثالث ضد مستعمريهم.
لقد تجددت حيوية روسيا وتبدلت هيئتها الإمبراطورية، بتجديدها لأسس بناءها الإمبراطوري  القديم على أسس ومبادئ إشتراكية جديدة، "متكافئة وعادلة" في الظاهر، تسمح لها بالإحتفاظ بفضاء سيطرتها السابق. وأصبح المولود الجديد من هذا العقد "السوفيتي" لمكوناتها القديمة بمثابة تجديد لقدراتها وبعث لحيويتها وكمالاً لطاقاتها. لقد أحتفظت الدولة الإيديولوجية الوليدة - الإتحاد السوفيتي بالفضاء الإمبراطوري القيصري السابق ,اضافت للحصانة التي تولدت من إعادة دمج أطرافها على أساس "إتحاد طوعي" والتي كادت أن تنفلت من قبضتها. كانت الدعاية الثورية لروسيا الجديدة بمثابة عودة الفتوة والصحوة القومية لهيئتها الضعيفة والمهترئة بين امم اوروبا المتنافسة منذ الأبد على مناطق النفوذ السياسي والإقتصادي في العالم. وأعادت لها مكانة جديدة في العلاقات الدولية بينماخلقت نهضتها ومبادئها إرباك وإشكالات خلافية بين القوميات الأوروبية المتصارعة. وبإنتهاء الحرب العالمية الثانية إنتقل الإتحاد السوفيتي الوريث الشرعي للإمبراطورية الروسية، وبكل المعايير الإقتصادية والعسكرية والسياسية، لمصاف دولة عظمى مهابة الطرف ومؤثرة في سياق تطورات الأحداث الدولية. لقد أحرز السوفييت تقدماً منقطع النظير في الصناعة والتطور التكنولوجي وفي مختلف ميادين العلوم أيضاً وبالأخص في مجال الفضاء. وهذا ما دعى لظهور منافسين ومعادين لنهجه وسلوكه وأهدافه، وخلق أعداء له من كل حدب وصوب وبالأخص من لدن الدول التي وجدت في نهوضه أفول لمبادئها وفكرها السياسي ومنطق نظامها الإجتماعي وهي غالبية الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا.

٢. بداية الصراع
بدأت الحرب الإعلامية ضد الاتحاد السوفياتي بشكل حاد مباشرة بعد الانتصار على الفاشية، وكانت العملية تهدف بالدرجة الأولى الإقلال من الدور السوفيتي في الإنتصار في الحرب على الفاشية والحط من سمعة ستالين "الحديدية المجلجلة" التي بدأت تخيف الحلفاء. لكن لم تكن تلك المرحلة وبوسائلها الإعلامية المحدودة  قادرة على تشويه "إنجازات البلد الإشتراكي الأول"- حسب تعبيرات الصحافة السوفيتية، حيث أصبحت البلاد السوفيتية قوة عظمى بعد الحرب العالمية الثانية وأصبح ستالين رمزا للإنجازات في تلك الحقبة، وهو الذي ترأس الاتحاد السوفيتي على مدى ثلاثة عقود. وتظهر حيثيات المسألة بانه قد تم تأسيس لجنة خاصة "لمحاربة ستالين" تحت إشراف ألندالاس ([15]) لدى "لجنة العلاقات الخارجية" في الكونغرس الأمريكي، حظيت بمباركة وتأييد وكالة المخابرات المركزية CIA والمخابرات البريطانية MI6. وعلاوة على ذلك، فأن هذه العملية وصفت بأنها الأطول من بين العمليات المعلوماتية بالنسبة للمخابرات البريطانية MI6 حيث إستمرت مدة 64 سنة (1948-2012). (للمقارنة: مدة عملية جيمس بوند  D 17 عاما)، وكذلك عملية زرع أعضاء دائمين في الداخل السوفيتي- كالعملية المعروفة تحت رمز GRU لأحد المنشقين السوفيتيت.([16])
لقد بدأت "عملية الكفاح ضد الستالينية" للتأثير على النصر الذي حققه الإتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية وقد عمل فيها أعضاء دائمون أمثال المنشق السوفيتي المعروف تحت رمز B. Rezun الذي إمتهن تشويه سيرة ستالين وخريشوف في سلسلة مقالات وكتب، وإعتبر نموذجا للمعادين للسوفيت الطوعييين، وكان من النخبة السياسية – الثقافية العليا، الذي أشتهر في التلاعب بالمعلومات وفبركة الأحداث بمساعدة خبراء الحرب النفسية لأجهزة المخابرات البريطانية والأمريكية. وإعتبرت هذه الخطوة التي قادها (ألندالاس) تطوراً ملحوظاً لوسائل الدعاية المركزة ضد السوفيت والتي حظيت بعد ذلك بدعم القوات الخاصة الامريكية والبريطانية وبالإستفادة من الخبرة والتجربة التاريخية لهيئة الإذاعة البريطانية على أراضي الإتحاد السوفيتي. لقد حقق هذا المشروع، منذ بداية إنطلاقه، بعض أهدافه داخل الإتحاد السوفيتي وذلك من خلال الشرائح الإجتماعية غير المتعلمة أو غير الواعية لمبادئ الثورة البلشفية. ووصل عبر نشاطات هذه العملية عناصر مدربة من وكالات الاستخبارات الغربية للداخل السوفيتي، وأعتبر ذلك انتصارا هاماً رغم عدم إكتراث الرئيس نيكيتا خرويشوف([17]) به، الذي أستلم السلطة بعد ستالين وأظهر تفاهماً في إدانة الأساليب الستالينية الحديدية في الحكم. ويقال بأن هذه العناصر التي وصلت لداخل البلاد حظيت برعاية خريشوف، لكن مهما كان ذلك صحيحاً أو مبالغاً فيه إلاّ أن ذلك يعتبر بدون شك مأثرة كبيرة للجنة المنبثقة عن "مجلس العلاقات الخارجية" ([18]). التي أعدت خطط الإجتياح الداخلي من دون سلاح.

٣. إحتدام الصراع وتجيّيش الإعلام
لربما نحصل على صورة أدق لحيثيات العداء الناشيئ بين الجهتين وملاحظة إشتداد "المعارك" الإعلامية على خلفية هذه الإختلافات في توجهات وتصريحات وأقوال كبار الساسة المعروفين في عدائهم للإتحاد السوفيتي، مثل وزير الدعاية الهتلرية جوزيف غوبلز الذي ذكر في 24 مايو1941: "أن الاتجاه العام لنا هو عدم السماح أكثر بوجود هذه الإمبراطورية العملاقة في الشرق. يجب أن تصبح البلشفية حدث من الماضي. وبهذه الطريقة سوف نحقق المهمة التاريخية الحقيقية لنا" ([19]) ومن ذلك ايضاً تصريح الرئيس الأمريكي جون كينيدي، أثناء تنصيبه لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1961 حينما قال: "لا يمكننا هزيمة هذا الحصن المنيع- الاتحاد السوفيتي في الحرب التقليدية، ويمكننا هزيمته فقط بطرق أخرى: إيديولوجية ونفسية، ودعائية واقتصادية".([20])
لقد حظيت السياسة الإعلامية الممنهجة والمخطط لها بدقة في الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإتحاد السوفيتي بدعم وتأييد كبيرين من لدن أعلى السلطات التشريعية والتنفيذية الأمريكية وبمباركة ومساندة المخابرات الأمريكية المركزية وبالدعم الواضح للرؤساء الأمريكيين على مدى إستمرارية الحرب الباردة. فقد ورد في أكثر من تقرير للكونغرس الأمريكي معلومات حول المبالغ الهائلة التي تمت صرفها لهذه الغاية، والتي تفيد: " بأننا صرفنا تريليونات من الدولارات على مدى السنوات الـ 45 الماضية لكسب "الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي" ([21])
لقد عبر الرئيس الأمريكي جورج بوش عام 1992 بشكل أكثر وضوحاً من كل ما ورد سابقاً في هذا السياق حينما قال: أن إنهيار الاتحاد السوفياتي لم يعد انتصاراً للديمقراطية والحرية فقط، بل هو "انتصار للقوة المعنوية لكل أمريكا والتي يمكن لنا جميعاً أن نفتخر بها. الملايين من الأميركيين، من النساء والرجال الذين خدموا بلادنا في القوات المسلحة، إلى الملايين من الأميركيين الذين دعموا البلاد وساهموا في تعزيز قدرات الدفاع خلال عهد الرؤساء التسع السابقين، وصلنا لهدف انهيار الاتحاد السوفييتي. وعلى الرغم من احتمال انعدم الاستقرار وسيادة الفوضى بسبب هذا الحدث إلاّ انه من الواضح أن جزءا ً هاماً من مصلحتنا الوطنية قد تحقق به"۔([22])
يجمع خبراء الإعلام على إن الأخبار والمعلومات التي تدفقت من الغرب ساهمت في تفكيك الاتحاد السوفيتي وأنظمة الحكم الشيوعية في شرق أوربا كرومانيا وجيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية وبلغاريا وغيرها، فأنظمة الحكم في هذه الدول قد فقدت السيطرة على تدفق الأخبار والمعلومات من قبل المؤسسات الإعلامية التابعة للدول الغربية، وتظم هذه المؤسسات الإذاعات التي تبث برامجها على الموجة القصيرة Short wave، إذ تزود المستمعين في هذه الدول بأخبار ومعلومات لا تتوفر بطريقة اخرى، والأبعد من ذلك إن وسائل الإعلام الغربية نقلت صورة عن نفسها وآلية عملها الحر، بالطريقة التي نقلت موسيقى الروك وأساليب الحياة الغربية ووعود غربية بالحياة الجميلة والديمقراطية والأسواق الاقتصادية المزدهرة ومستوى عال من المعيشة.([23])

ثالثاً: فجوات النظام الإشتراكي- نقاط إختراق للصحافة الغربية
لقد وردت "عيوب ونواقص" النظام السوفيتي تحت عناوين كثيرة ومتعددة وذلك حسب زاوية رؤى الدراسات المنتقدة، وبالأخص تلك التي ظهرت بعد فترة الإنهيار. وإلى الآن تختلف بحدة الآراء والتقييمات في تصنيف وترتيب هذه الأسباب، فهي ما زالت للبعض من الباحثين "وهمية ومصطنعة"([24]) وللآخرين جزء من "التآمر والخيانة" لمؤامرة كبرى دبرتها المخابرات الأوروبية وعلى رأسها المخابرات المركزية الأمريكية ضد الإتحاد السوفيتي" أو عبارةعن خطة، تحلت ظاهرياً بالإصلاح، نجحت في الإستمالة التدريجية للنخب السياسية والقيادية لصفوف"الطابور الخامس" لتعمل لتفكيك وإسقاط النظام السوفيتي من الداخل، سواء عن عمد وبمعرفة ودراية مسبقة أم نتيجة الخداع والوهم.([25])
لكن نظرة واقعية وموضوعية لمجمل ما تم رصده ككتابات علمية حول أسباب إنهيار الإتحاد السوفيتي يقودنا إلى تمييز مجموعة من الحقائقوالوقائع الثابتة والمتراكمة في نظام الدولة وحياة المجتمع السوفيتي، نستطيع تلخيصها بالنقاط التالية ([26]):
١. الطبيعة الاستبدادية للنظام السوفياتي: وتشمل هذه النقطة الاضطهاد الممنهج للدين والكنيسة، والمعارضين السياسيين، وخلق الجماعات المطيعة المسلوبة الإرادة تحت ذريعة "بناء الإنسان الإشتراكي الجديد". هذا ورغم أن علماء الاجتماع يؤكدون تحقيق جوانب ايجابية كثيرة إزاء تحقيق الروح "الجماعية"ومنها الإستعداد للتضحية الشخصية خدمة للمصلحة العامة، لكن إلغاء صلب الإختلاف الذاتي والتنوع، بات طمس المميزات الشخصية الفردية للمواطن السوفيتي لدرجة كبيرة. وأصبح دور الأفراد يشبه بقطيع أغنام؛ وأدى ذلك إلى فقدان دوافع الكشف عن الهوية المغايرة لدى الإنسان السوفيتي وإلى تفشي ظاهرة عدم الإكتراث واللامبالاة واللامسؤولية العامة. هذا كان في الوقت الذي وصفت فيه الصحافة السوفيتية الوضع القائم لـ"الدولة السوفيتيةبالإنجاز الجزئي لمشروع الدولة التي تسود فيها الأخوة والمساواة والحرية والقضاء على الفروقات الدينية".([27])
٢. هيمنة الإيديولوجية الواحدة: ينبغي أن يكون مفهوماً أن الأيديولوجية هي الركن الروحي للدولة، وأية دولة بإيديولوجية "جيدة أو سيئة" سوف تسعى دائما لنشرها والدفاع عنها وحمايتها من الإنتقادات. والإيديولوجية في الإتحاد السوفيتي تحولت لدين الدولة وعقيدتها وادى تطبيقها لحظر التنوع الفكري والسياسي. وهي التي أدت بتطبيقها المبالغ فيه، حد "تجنب الإتصال والعلاقات الطبيعية مع الأجانب، بالإضافة إلى شعور الخوف من الآخر المختلف وتفشي الرقابة والوشاية في الأوساط الإجتماعية، بل وصل الضغط والكبح الأيديولوجي في سبعينات القرن الماضي لإزالة جمالية التنوع والإختلاف في الثقافة والفنون. وأثر كل ذلك في القيمة الجمالية الفنية للأعمال. أن وحدانية نفق الأيديولوجية خلقت غمامات خانقة وزادت من إرادة العوز والرغبة للإختلاط مع الآخر المختلف لدرجة لاتطاق. ولهذه الأسباب "وصل عدد المنتحرين سنوات الثمانين من القرن الماضي لـ(34,5) لكل 100 ألف شخص من السكان"([28]) نتيجة هذه الأمراض المنتجة تحت ضغط الإيديولوجية الواحدة.
٣. فشل إصلاح وترميم النظام السوفياتي: لقد بلغ الركود  في الإنتاج في المركز والجمهوريات الإتحادية إلى مستوى ساعدت في تفاقم العوز والحاجة للسلع الضرورية. وقد إصطحب ذلك بظهور البذخ والتبذير في آنٍ واحد من لدن مجموعة محدودة من القياديين منذ 1965. ومنذ أواخر 1980 بدأت بعض المقاطعات والجمهوريات الإتحادية بإعلان "سيادتها الذاتية"  وتوقفت عن دفع الضرائب للاتحاد والمشاركة في الميزانية الفيدرالية السوفيتية. وكان ذلك بداية إهتراء العلاقات الإقتصادية المشتركة بين مختلف المقاطعات والجمهوريات المتباعدة جغرافياً.
٤. العجز التام في تأمين وإنتاج الحاجيات الضرورية للإنسان: من الواضح أن وضع الإنسان المعيشي لا يتحسن بمجرد تبني مبادئ مثالية، بل أن موقف الفرد يتغيير بمدى توفر أو فقدان الخدمات الأساسية، فالحاجيات الضرورية للحياة المدنية المعاصرة كالثلاجة والتلفزيون والأثاث المنزلي، بل أحياناً حتى ورق التواليت، كانت غالباً غير متوفرة في الأسواق وصعب "الحصول عليها". وإزاء ذلك كان لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يقوم به الإنسان إذا لم يستطع شراء ما يحتاجه، أو إلى ما يمكن أن يؤدي وقوفه في طوابير الإنتظار فترات طويلة، إذا لم تتوفر السلع إلاّ بأعداد محددة!؟ "المسألة كانت ليس فقط مجرد فارق رهيب على مستوى المعيشة مع بلدان أخرى، ولكن أيضا في الاعتماد الكامل في شكل الحياة المرسومة: ممنوع بناء بيت من طابقين في البلاد (بيت ثانوي للراحة)،لاينبغي أن يزداد مساحة أرض الحديقة التابعة على ستة "فدان" !وهذه المضايقات ما كانت جزئياً تفسر عدم رغبة السوفيت في الإنجاب والتكاثر بحيث "على مدى 50 سنة إحتل الإتحاد السوفيتي الموقع الأول بين دول العالم في عملية الإجهاض" ([29]) بينما وصل عدد حالات الطلاق طيلة ثمانينات القرن الماضي (4.2) لكل الف حالة زواج".([30])
٥. الجمود الاقتصادي على نطاق واسع وعدم تشجيع الابتكارالعلمي والتقني: وهو ما أدى إلى العجز في تقديم المواد الإستهلاكية المطلوبة والكساد للسلع غير النوعية  وغير المرغوب بها. وفقدان التجديد الذي حد منطاقة الإنتاج، وهدر الكفاءة المؤهلة بالوسائل القديمة وإلى ندرة المعدات والمرافق الحديثة. أن أصول الإنتاج في الاتحاد السوفياتي كانت بالية حتى العظم، وحينما كانت تتسرب معلومات عن المواد الإستهلاكية في الغرب عبر مختلف الوسائل الإعلامية للمواطنين السوفيت كان ذلك كافياً ليخلق الإمتعاض لديهم" ([31]). ففي عام 1987 (بعد عامين من البريسترويكا) إتخذت الدولة مجموعة من الإجراءات والتدابير "لتسريع"، ومواكبة إنتاج المواد الإستهلاكية لكن للأسف لم تتمكن من التصحيح، بل أصبح الوضع أسوأ من ذي قبل.
٦.تفاقم أزمة الثقة في النظام الاقتصادي السوفيتي: ففي سنوات الثمانينات كان مرادف كلمة "صنع في الإتحاد السوفيتي" بين الشعب يعادل "صنع بدرجة منخفضة" لأن رتابة إنتاج السلع الاستهلاكية الضرورية كانت قاتلة. فالتفكير في الأثاث المنزلي، والثريات واللوحات في منازل ابطال موسكو والمدافعين عن لينينغراد في الفلم المعروف من الدار ريازانوف، "سخرية القدر" تحولت لمشاهد حية في ذاكرة الجميع ولفتت إنتباه جميع المشاهدين السوفييت إلى الوضع المزري لمستوى الخدمات وتفاهة مقتنياتهم بالمقارنة مع الغرب المتمدن. أن معظم المواد المصنوعة محلياً كانت سيئة النوعية وغير مضمونة الإستعمال.
٧. التبذير المالي الغير مبرر: نستطيع القول بأن قوت الناس ومدخراتهم ذهبت بالكامل على نفقات حملات سباق التسلح. وفي نفس الوقت لم تتوقف مساعدات الإتحاد السوفيتي المادية لبلدان المعسكرالاشتراكي ودول العالم الثالث، التي أصبحت عالة على الإقتصاد الوطني. كما ظهرت فئة إنتهازية من القيادة في مختلف مفاصل وفقرات الدولة، تبذخ بالمال العام وتهدره لتأمين إحتياجاتها الفردية والأنانية.([32])
٨. الانخفاض في أسعارالنفط العالمية: لقد أدى الإنتاج المحلي المحدود والسيئ للمواد الإستهلاكية وتعطل التجارة مع الغرب وتردي عملية الإصلاح الإداري لأعلى درجة من الإحباط، في بدايات الثمانينات من القرن الماضي. وفي تلك الآونة أصبح الإقتصاد السوفيتي يعتمد بشكلٍ كامل على مصادر البترول. لقد شبه الكثيرون الوضع السوفيتي آنئذٍ  "بالجالس" كما يقولون في المثل الشعبي، "على إبرة النفط!" ([33]) وكان ذلك يعني الشلل التام لحركة الدولة العملاقة في سنوات 1985-1986.
٩. ظهور النزاعات القومية الحادة ورغبة خروج القوميات من الإتحاد السوفيتي: لقد عكس رغبة الشعوب والقوميات السوفيتية في تطوير ثقافتها وإقتصادها المحلي، الأمور التي حرموا منها في نظام استبدادي، إلى بدء إعمال الإثارة في عدة مناطق من البلاد في آنٍ واحد، ففي  16 كانون الأول 1986 خرجت مظاهرة في ألماآتا، للاحتجاج على تعيين موسكو "شخصها" كسكرتير اول للحزب الشيوعي الكازاخستاني؛ وفي عام 1988 نشب نزاع في كاراباخ، بين الأرمن والآذربيجانيين وتعالت أصوات بين الأرمن والأذربيجانيين أتهمت بعضها البعض بـ"التطهيرالعرقي" المتبادل. وفي عام 1990  برزت الاضطرابات في واديفرغانة (مذبحة أوش). وفي شبه جزيرة القرم طالب التتر العائدين لشبه جزيرة القرم إخلاء السكان الروس. وفي منطقة أوسيتيا الشمالية بيناوسيتياوانغوشيا. وقد أدى ذلك إلى نشوء فوضى عارمة في كل أطراف الإتحاد السوفيتي وإلى زيادة الجريمة المنظمة حتى بلغ "في ثمانينات القرن الماضي المرتبة الخامسة في العالم من حيث نسبة الجرائم المقترفة".([34])

رابعاً: تبدل نوعي في خصائص الإعلام أثناء الحرب الباردة
١. المعلومات كسلاح
كانت الحرب الباردة، في الواقع، أول حرب تشن بسلاح المعلومات في تاريخ البشرية، عندما يكون الإنتصار كهدف يتحقق بوسائل التأثيرعلى عقول ومهج وعواطف الشعوب. لقد كان الدور الرئيسي للمنافسة بالوسائل "السلمية" بطرق العلم والفن في وسائل الإعلام، سواء لصد الهجمات لمنطق وفلسفة النظم (المعادية) أو لإظهار كل مزايا وجوانب النظم الإيجابية (الموالية) وبالأخص من النواحي السياسية والاقتصادية. ووظيفة الإعلام إقتصرت في تشويه هيئة المنافس و تلميع هيئة الدولة المدافع عنها.([35])
في أعقاب كارثة تشرنوبل Chernobyl في الاتحاد السوفيتي السابق عام 1986، فان الحكومة السوفيتية زودت الصحفيين بقدر ضئيل من المعلومات، لذا فان المستمعين في شرق أوربا والاتحاد السوفيتي السابق قد اعتمدوا في معرفة أخبار الكارثة على إذاعة أوربا الحرة Radio free Europe.([36])
٢. خطاب وسائل الإعلام السوفيتية في الحرب الباردة
إعتمدت وسائل الإعلام السوفيتية سياسة أهم أسسها:
أ. السلام العالمي: كما ذكرنا في مكانٍ آخر من هذا البحث، لقد بدأت الحرب الباردة بين الإتحاد السوفيتي والغرب مباشرة بعد الإنتهاء من الحرب العالمية الثانية، وحصراً بعد أن شبه ونستون تشرشل في إحدى خطبه، ستالين بهتلر([37]). وكان ذلك في الوقت الذي لم يمض بعد أسبوع من إنتهاء الحرب. لكن الإتحاد السوفيتي الخارج منهوكاً من الحرب لم يسلك أسلوباً تصاعدياً بلإعتمد إظهار السياسة السلمية ومخاطبة القواعد الجماهيرية والشعبية الواسعة للدول الغربيةبأسلوب بسيط، كنشر الملصقات ورسوم الكاريكاتور السياسي لنقل المعلومات السياسية والايديولوجية عن موقفه، إلىوعيسكان الدول الحليفة التي خرجت منتصرة سوية مع الإتحاد السوفيتي من الحرب ضد الفاشية الهتلرية.
ب. تحرير الدول المستعمرة: لقد كانت إحدى ركائز الخطاب السياسي للاتحادالسوفياتي هو انه مدافع عن السلام في كل العالم، وهو يملك أقوى جيش في العالم، قادر على صد أي هجوم للدول الرأسمالية.  وتركز كذلك على نشر الوعي عن المجتمع السوفيتي في دول "الغرب الإمبريالي"، الذي يميل إلى قمع الديمقراطية الحقيقية ويكبح حرية بلدان العالم الثالث المستعمرة. وقد ساعد في نشر مبادئ الصحافة السوفيتية في تلك الفترة النضال المستديم للدول الآسيوية والأفريقية من أجل تحررها وإستقلالها السياسي.
ج. الدفاع عن حقوق البروليتاريا والجماهير المسحوقة: من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وكانت تسمية البلدان الغربية تذيل بأسم "الدول الرأسمالية" و"الإمبريالية المتوحشة" وبدا سمة الغرب في المجتمع السوفيتي يتصف بـ "المتحلل من مزايا العدل".
د. الفن والجمال لأجل الجماهير لقد روجت وسائل الإعلام السوفيتية لنظريتها في خدمة الجماهير والمجتمع وإدعت بأن الفن والجمال في متناول الأغنياء والمحتكرين لرؤس الأموالووسائل الإنتاج بطرق غير عادلة، بينما هذه القيم هي في متناول الجماهير وليس للإستغلال والمتاجرة۔([38])
٣. وسائل الإعلام الأمريكية في الحرب الباردة
يمكننا تلخيص إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية الإعلامية إستمراراً لسياستها الإستراتيجية إزاء الإتحاد السوفيتي، وتحلت بالصفات:
أ. أهداف سياسات مرتبطة ومتسلسلة:
(١) محاربة مختلف البلدان الإشتراكية في سياساتها وإيديولوجيتها۔
(٢) تأييد بقاء العالم الثالث منتدباً من قبل الدول الأوروبية۔
(٣) إبقاء هذين الجزئين من العالم تحت هيمنة الإمبريالية و"في حين يخدم هذا الإبقاء على مصالح الإمبريالية، فإنزواله لابد سيفتح صراعات"([39])
ب.صورة العدو الشرير: ألصقت وسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية بهيئة الإتحاد السوفيتي صورة الشر المطلق وقدمته كدولة داعمة للنزاعات القومية وفي معظم الأحيان بصورة العدو الخارجي. وإمتزجت الأخبار الواردة من الاتحاد السوفياتي بمزايا "الوحش الشيوعي" ([40]) الضخم الذي يحاول إخضاع العالم كله لسيطرته بما فيه الولايات المتحدة، بفعل قوة الرؤوس الحربية النووية.
ج. معاداة الإتحاد السوفيتي في المؤسسات التربوية مبكراً: حيث يتم تلقين المعلومات السلبية منذ مرحلة الطفولة لدى السكان في الولايات المتحدة. وكان يتم تعريف الأطفال بنوايا السوفييت العدوانية وإحتمال إستعدادهم لإسقاط قنبلة نووية على الولايات المتحدة۔([41])
د.نشر الدعاية المناهضة للشيوعية: تقوم وسائل الإعلام الأمريكية بممارسة دور بالغ ومؤثر على وعي السكان البالغين. ومنذ بداية الحرب الباردة لم تهدأ وسائل الإعلام الأمريكية بنشر الدعاية المناهضة للشيوعية، ولم تدخر أية وسيلة متاحة للنيل من السياسة السوفيتية. وقد مارست بعض الجهات بالضغط على وسائل الإعلام لنشر ما يسبب الخوف من المفاهيم التي تدعي لها الدولة السوفيتية كهستيريا "الطاعون الشيوعي".
هـ.إحتدام الصراع الإعلامي: تركز الصراع، في بداية الحرب الباردة على تغطية وسائل الإعلام في كلا المعسكريين الغربي والسوفيتي لنوايا بعضهما البعض صيغة التخويف من الآخر وإبراز نواياهم العدوانية المبيتة، وبالغت في تصوير حالة التهديد الوشيك من الدمار. فقدمت وسائل الإعلام الغربية حملات بأسم" الخطرالأحمر" الوشيك على كل الأخبار الأخرى. وبدأت الصحافة المكتوبة تتفنن في الترميز للشعارات الدعائية المتطرفة للسوفييت مثل "الموت أفضل من الخضوع للحمر!"([42]) في إشارة للعَلم الشيوعي الأحمر. وخدم هذا النوع من الدعاية المسيسة لخلق حملات هستيرية على الشيوعية.
وأثر تمثل هذه الدعاية المركزة لإخضاع أي تعاطف محلي مع الدعاية السوفيتية كتواطئ مع العدو أو مقاومة للروح الوطنية المطلوب تقويتها وتعزيزها أثناء الحروب.  وكان العمل الدعائي يهدف بالدرجة الأولى للحفاظ على روح العداء العام نحو العدو السوفيتي ورفض أية من سياساته الاقتصادية والإجتماعية.
كانت الدبلوماسية العامة، لأكثر من 50 عاما تتم عن طريق الإذاعة، التي سيطرت أيضا على مجريات الحرب الباردة، أيضا، وقد وجدت الحكومات نفسها عام 1990 إلى توحيد الألمانيتين وتقسيم الاتحاد السوفيتي السابق، فالأصوات كانت تنطلق لتؤثر في الجماهير من راديو موسكو Radio Moscow، وراديو بيجينك Radio Beijing، وصوت أمريكا Voice of America، واذاعة البي بي سي BBC، وراديو أوربا الحرة Radio free Europe، وراديو دوتش ويلا Deutsch welle، وراديو القاهرة Radio Cairo.([43])
و.التربية إمتداد للإعلام: لقد كانت هذه النزعة لا تقتصر على الإعلام المقروء، بل تحولت لسمة لكل وسائل الإعلام والدعاية، من الإذاعة والسينما والتلفزيون والصحافة المطبوعة، بل حتى الدعايات الشفهية في المدارس([44]). وفي أمريكا بشكلٍ خاص كان يجري تقديم فلم "الكابوسالأحمر"- الذي يُشهر فيه بشكل واضح من القيم الفكرية والسياسية السوفيتية، ويسخر من ممثلي النظام كجزء من المنهاج الدراسي ودليل لوسائل الإعلام لتوفير التلقين الذي تقره الدولة لإستمالة الرأي العام. لقد كان هذا العمل من التلاعب في إستخدام وسائل الاعلام لخلق الخوف والذعر من نهج وسياسة دولة معينة لا يمكن مقاومته على صعيد الأفراد، وكان جهد او اعيال تهميش الرأي الآخر ويحرمه من النشر ويعبر عن هيمنة الرأسمال الإحتكاري لوسائل الدعاية. كما ساعد في ترسيخ واستقطاب الاختلافات الثقافية لجهة تعزيز الفكر السياسي السائد.
٤. حملات إعلامية بنتائج متفاوتة بين الطرفين
لم تكن الحالة العامة لأي جهة من أطراف الحرب الباردة حالة مستقرة وثابتة، وليست دوماً بنتائج لصالح جهة واحدة. فرغم "حصانة" الدفاع الأمريكي عن قيم ومبادئ النظام الليبرالي لكنه لم يكن يشكل مظلة مانعة لتسرب الدعاية السوفيتية بشكل كامل للمجتمعات الغربية أو تمنع من إنتشارها فيها. فقد تغلغلت الدعاية السوفيتية بشكل خاص عبر الحركات العمالية والأحزاب الشيوعية في المجتمعات الغربية. لكن هذا "المد" كان ينظر له بعين الريبة من قبل القائمين على تنظيم ونشر الدعاية السياسية والمؤسسات الإعلامية الحكومية أو تلك التابعة للقطاع الخاص.
لكن حينم ابلغ "إمتداد الخطر الشيوعي" داخل معظم دول أوروبا الغربية أمرا هاماً وتخشاه حلفاء أمريكا الرئيسيين، قفز الإستعداد والتكتل كحالة جامعة لهذه الدول ضد الإتحاد السوفيتي إلى خطط جماعية مشتركة بينها للتنفيذ. وبذلك أصبح "صيانة أطر العداء للخطر الداهم" ([45]). مصلحة مشتركة للجميع للحفاظ على أمنها المشترك۔
منذ بداية الحرب الباردة كان ولاء غالبية وسائل الإعلام لحكوماتها أمراً مفرغاً منه تقريباً ويتم تسييس مضمونها على الدوام، وهذا واضح من التقارير التلفزيونية التي إنتشرت منذ وقت مبكر للحرب الباردة.  وكان غالباً ما يتم كتابتها وإنتاجها في بعض الأحيان من قبل المؤسسة الدفاعية([46]). وكان هذا التطور في وسائل الإعلام بمثابة قبول النفوذ الحكومي كضرورة، لتأمين التأييد الشعبي لإجراءات الدولة. وقد تغييرت الإهتداءات الأولية السائدة أثناء الحرب العالمية الثانية ودور وسائل الإعلام التحفيزي فيها إلى إعادة صياغة مبررات الدفاع عن الولاءات السياسية والاقتصادية الوطنية. وفي حين توجها لقطاع الخاص "المستقل" لوسائل الإعلام الغربية نحو الإلتزام بالدفاع عن المصالح الاقتصادية والعسكرية الغربية، كان الإعلام السوفيتيي يخضع للرقابة الشديدة للدولة وعلى أهبة الإستعداد للدفاع عن العقيدة والإيديولوجية الشيوعية بشكلٍ مستميت. وبذلك تركزت إهتمامات جميع وسائل الإعلام تقريباً في إنتاج تأييد الرأي العام لاتخاذ إجراءات مؤيدة لحكوماتهم ضد العدو الأجنبي.
وهكذا تكرس نهج العداء لدى الطرفين لبعضهما البعض مع تعالي النبرة الشوفينية لدرجة قصوى وأصبح معه إستحالة الرجوع للوراء لأيطرف امام الآخر. وتنافس الطرفان في إيجاد الدعم الشعبي لنهجهما سواء في الداخل أم بين جماهير الدولة المعادية كغاية بحد ذاتها. وأصبح الحفاظ على الدعم الشعبي الكافي للحكومات الغربية في الاتحاد السوفيتي ومؤيدي الأفكار الشيوعية في الدول الغربية هدفاً قائماً في ديمومة الصراع الطويل بمساهمة وسائل الإعلام۔ ([47])

٥. تصويب دقيق للأهداف الإيديولوجية
لقد استخدمت تقنيات وسائل الإعلام والدعاية كأسلحة مباشرة في الحرب الدائرة رحاها في هيئات التحرير والإستوديوهات والإذاعات والتلفزيونات. وكانت مساهمة وسائل الإعلام مباشرة في المجهود الحربي من جهة الإعداد والتحضير المهني الإختصاصي والدقيق للوسائل الفعالة والمؤثرة في الحرب النفسية. وقد تحقق ذلك من خلال تنظيم الدعاية إلى داخل الاتحاد السوفييتي عبر الراديو، ومحاولة نشر المشاعر المؤيدة للرأسمالية إلى السكان السوفياتي وخلق ثقافة أكثر موالية للغرب. بينما استخدمت وسائل الإعلام السوفياتية أيضا "وسيلة الراديو لداخل الدول الغربية كشكل من أشكال الدعاية الأممية الإشتراكية الهادفة ". كان الاتحاد السوفياتي يملك العديد من المحطات الإذاعية "الدولية" والتي كانت موجودة بالفعل في الجمهوريات السوفيتية. وظهرت هذه الأعمال الدعائية التي تقوم بها وسائل الإعلام للطرفين أكثر تسلطاً وسطوة من الامتثال السياسي، بل تحولت لأداة نشطة من الحرب نفسها.
وكانت وسائل الإعلام على جانبي الصراع تتقاسم مسؤولية إنتاج الرأي العام، والمساهمة في إنتاج أكبر قدر ممكن من المواد الدعائية، والحفاظ على المواقف "المتقدمة" على العدو في الحرب النفسية. ومع ذلك، فإن العديد من وسائل الإعلام الغربية، مثل صوت أمريكا، بي بي سي، وراديو الفاتيكان، سعت لتتبع نهج مختلف. فقد إحتفظت على الولاء السياسي لدولها الأم، وأختصرت بتفضيل مشروع حكوماتها على الجوانب الإيجابية في مشاريع الاتحاد السوفياتي. كان هذا شكلا من أشكال الليبرالية، المعتمدة على التعددية وعدم إقصاء الرأي المخالف مع الحفاظ على الحد الأدنى من منطق التماسك السياسي وفي الحدود الدبلوماسية المقبولة، وسعت في نفس الوقت لمواجهة الدعاية السوفييتية من خلال تقديم وجهة نظر "ايجابية" أحياناً للعدو للدلالة على الحيادية وعدم الإنحياز الإيديولوجي. وحين تقديم مثل هذه الوصفات، كانت وسائل الإعلام الغربية تركز على إظهار حقيقة أن الاتحاد السوفياتي لم يكن مجتمعا متجانسا. وقد ركزت كذلك على أن "الامبراطورية الاستعمارية" تتكون من أقوام وجنسيات عديدة، مثل الأوكرانيين ودول البلطيق.. ألخ. وسعت بواسطة إنتاج إعلانات متميزة لإثارة الأقليات القومية ضد النظام السوفيتي، وكان الغرب قادرا على بناء إستراتيجية طويلة الأجل لتعطيل تكامل وإندماج هذه المكونات القومية والثقافية والدينية ضمن الإتحاد السوفيتي الشاسع المساحة. وكانت الدولة السوفيتية تخشى كثيراً من هكذا دعاية عدائية، والتي تؤدي لنموالشعور الانفصالي لدى سكانها المحليين. لقد شملت موجة مواجهات "الحرب الباردة" سنوات السبعيننات والثمانينات من القرن الماضي بين طرفي الصراع بأنها شملت العالم بأكمله، وقد خرجت منها الولايات المتحدة الأمريكية أقوى وأغني۔([48])


٦. حرب "باردة" وأخرى "ساخنة" بالوكالة
نستطيع القول بأن وسائل الإعلام قد حققت في حقبة الحرب الباردة تسويق الصراع بدرجة كبيرة. وقد أصاب الصحفي الأمريكي والتر ليبمان حينما وصف الصراع بـ "الحرب الباردة" بسبب عدم وجود حرب عسكرية مباشرة بين أمريكا والإتحاد السوفيتي، لأن الحرب بين القوتين النوويتين كان يعني لكلاهما التدمير النهائي المتبادل والمؤكد۔([49]) لكن ذلك لم يعفيهما من المشاركة الحقيقية في قيادة حروب طاحنة بينهما بالوكالة. أحد أهم الأمثلة على ذلك حرب فيتنام من 1955 - 1975. حينما تورطت حكومة الولايات المتحدة في الحرب كإجراء وقائي ضروري لوقف استيلاء الشيوعيين على فيتنام الجنوبية. كان هذا جزءا من استراتيجية الغرب لصد الشيوعية ومنعها من الانتشار.

٧. الدعاية والدعاية المضادة
سمي حرب فيتنام أول "حرب متلفزة". وقد ساعدت التغطية الإعلامية من خلال عرض التلفزيون جانباً كبيرا من معارك الدولتين الشقيقتين. وقد أحدثت صور الحرب الفيتنامية صدمة قوية للمشاهدين عبر  العالم وأثرت في تشكيل رأي عالمي عاطفي قوي لإدانة الحرب. كانت التغطية التلفزيونية للصراع لا هوادة فيها، واستمرت لعدة سنوات وجلبت الغلبة فيها للرأي العام العالمي المساند للمعسكر السوفيتي بينما التغطية الإخبارية الكتابية في بدايات الحرب كانت موالية للغرب. لقد أسهم بنقل صور الحرب وواقع الدمار والويلات مجموعة من وسائل الإعلام المحايدة والتي إلتزمت بالحيادية والموضوعية في تقاريرها وتمتعت بالمهنية والاستقلالية. وعليه، فإن رد فعل الجمهور على التعرض المستمر لوحشية الحرب تغير أيضا. لأن معظم وسائل الإعلام الغربية إختارت أن تكون لسان حال حكوماتها وإبتعدت عن مكانتها وإعتباراتها. لقد كان هذا التغيير في الرأي العام العالمي جنبا إلى جنب مع التقارير البيانية المشيرة لتصعيد هول المعارك، كافياً لخلق الإحباط وعائقاً للانتصار الأمريكي. وقد أججت وسائل الإعلام المشاعر المناهضة للحرب في الداخل الأميركي وأثر بشكل واضح على الرأي العام الأمريكي من خلال تقديم فظائع الحرب وظروف معيشة الفيتناميين الخاصة. وقد أظهر هذا لأول مرة تراجع دور الإعلام في الحفاظ على العداء والدعم الشعبي للصراع۔([50])
كان الفعل الأكثر حسما ووضوحا لوسائل الإعلام، في تآكل وتراجع العداء العام نحو الاتحاد السوفيتي وخفض تجاه الصراع، مسألة نشر أوراق وزارة الحرب الأمريكية (البنتاغون). فقد نشرت العديد من الصحف، بما في ذلك صحيفة نيويورك تايمز وواشنطن بوست، مقتطفات مطبوعة من الوثائق الحكومية التي صنفت على أنها سرية([51]). وكشفت هذه الأوراق التشويه الحكومي المتعمد للإحصاءات السابقة والتي كانت غير مرغوب الإطلاع عليها. لقد شمل التشويه أعداد الضحايا المعنية والعمليات الناجحة، والتي كانت أسوأ بكثير مما تم الإعلان عنها سابقاً. لقد إتضح من وسائل الإعلام كيف كانت الحكومة قد ضللت السكان عن تصرفاتها بشأن وقائع الحرب. وما فعلته وسائل الإعلام هنا كان الجهة الوحيدة التي أعادت نشر المعلومات الموثوقة وأظهرت التلاعب الذي أجرتها لحكومة، وبذلك أثرت كثيراً على ثقة الناس بالحكومة. وفي وقت لاحق، حينما تقشعت الأمور بواسطة وسائل الإعلام خلق رد فعل محلي عكسي على الصراع والحرب بالوكالة التي قادتها أمريكا. وبذلك تنامت الحركات المحلية والدولية المناهضة للحرب، وكان الإعلام هو المسؤول بإعادة ترتيب الحقائق. نفس الدور لعبته الوسائل الإعلامية في فضح وسائل ماعرف بأسم "الخروقات المكارثية". حيث كانت الاتهامات الجماعية للمعادين للحرب الفيتنامية "بعدم الولاء للوطن"  في زمن وزيرالداخلية الأمريكي "جوزيف مكارثي"  أدى بالتنكيل بالمعادين للحرب وتهميش المعارضة۔([52])
لقد شوهت وسائل الإعلام السوفيتية والغربية بعضها البعض، كما وصلت مفاهيم من تلك الحقبة للواقع الراهن تربك العلاقات الدولية الحالية، ولم تستطع المؤسسات الدولية المعنية تفاديها وإلغائها من الذهنية الجمعية. وقد لعبت وسائل الإعلام دورا مركزيا في إنتاج وإنتشار  روح العداء بين جانبي الصراع في النواحي الثقافية والإجتماعية في البلدان المتأثرة بتطورات تلك الحقبة. ومارست دوراً هاماً في أنتاج الهويات القومية وإيجاد شرخ في العلاقات بينها بإضفاء الشرعية على بعضها دون أخرى، لأن إمكانياتها في الإنتشار والتوزيع غير متكافئة. ومازالت مساهماتها كبيرة في التذكير بالحوافز المتنافرة والعودة للوسائل المتبعة في خلافات أمس في أيامنا الراهنة. الدعاية المثيرة والمعلومات المسيسة زعزعتا اليقين الشعبي وزادتا من الخوف المجتمعي والتفكير بالدمار الوشيك وجنون العظمة الحاد. لقد عملت وسائل الإعلام، كقوة ناعمة أيضا كأداة مباشرة للصراع من خلال التواصل مع السكان في الاتحادالسوفياتي، وهذا في حد ذاته كان عملاً عدائياً للغاية۔([53])
بإختصار، كان الإعلام بطل الحرب الباردة في كل شيء: في زرع وغرس العداء والحفاظ على التوتر والتنافس الحاد وتوسيع الفجوة الفاصلة بين القطبين. وتم استغلال الانقسامات الثقافية والخلافات القومية وزادت في الحفاظ على الخوف المجتمعي وإنتاج الدعاية الموتورة.

خامسا: بث الراديو الأجنبي ضد الإتحاد السوفيتي
١. اتجاهات الاعلام الغربي
 بداية بث الراديوهات الأجنبية الموجهة للإتحاد السوفيتي تأخر عن ذلك الصادر من الإتحاد السوفيتي للغرب. فمثلاً بدأ "راديو موسكو بثه باللغتين الألمانية والإنكليزية عام 1929 بينما بدأت "هيئة الإذاعة البريطانيةBBC" بثها باللغة الروسية عام 1946. ومع ذلك يجمع المحللين السياسيين ومؤرخي الصحافة بأن تأثير البث الأجنبي على الإتحاد السوفيتي كان هائلاً جداً. وتقول المؤلفة يفغينيا منييفا بأنها سمعت ذات مرة في أواسط التسعينيات في مدينة كيشينيف نكتة سياسية يتداولها الناس مؤداها: أن تأثير وأهمية المعلق السياسي لراديو (BBC) أناتولي غولدبيرغ في إنهيار الإتحاد السوفيتي تفوق شهرة وسمعة غورباشوف! وتؤكد الكاتبة بأن دور البث الأجنبي على الإتحاد السوفيتي يعادل دور قناة "الجزيرة" القطرية في البلدان العربية.([54])
يجد المحللين السياسيين فعالية الدعاية الغربية وتأثيرها على المتلقي السوفيتي في كونها كانت تصل للمستمع بدون أن تمسها "مقص الرقابة" وتنقل للمستمع ليس فقط ما يجري في العالم أجمع بل ما يجري ضمن الإتحاد السوفيتي نفسه، وبمؤدى أن كل ما تملكونه، داخل بلدكم سيئ للغاية ومفبرك.
في سنة 1930 بدأ راديو فرنسا الدولي RFI بث برامجه باللغة الروسية. أما راديو "صوت أمريكا" الذي تأسس عام  1942 بدأ بعد خمس سنوات،أي بدأ ببث برامجه باللغة الروسية سنة 1947. وفي بدايات 1950 كانت غالبية محطات الراديو في الدول الأوربية تقدم برامجها باللغة الروسية. ومؤخراً إعترف أحد محرري (بي بي سي) بيوتر يوديل بسبب جاذبية ما كان يبثونه:" لقد كانت الصحافة الروسية ومحطات الراديو وكذلك القنوات التلفزيونية  تقدم قليلاً مشوهاً من الأخبار عن المواضيع الهامةوالممتعة والملفتة للنظر، وغالباً بعد مضي وقت طويل على الحدث. وقد لخص مارك بيلنكي، الصحفي المعروف الذي عمل أكثر من 20 سنة في "راديو صوت أمريكا" بدقة الهدف الأساسي الذي عملوا من أجله في هذه الإذاعة: " لقد عملنا حقاً على فك براغي الإتحاد السوفيتي وكسر أسطورة "العدو الذي لا يقهر" بالوسائل الإعلامية"([55]). في سنة 1953، ومباشرة بعد موت ستالين بدأ "راديو التحرير"، الذي أعيد تسميته فيما بعد بأسم "راديو الحرة" أو (راديو أوربا الحرة) بثه باللغة الروسية بالإضافة لعدة لغات شعوب الإتحاد السوفيتي: الجورجية، الأوزبكية، الأوكرانية، ولغات الجمهوريات البلطيقية الثلاث.([56])
أن الهدف الرئيسي لهذه الإذاعات كان معاداة الشيوعية كنظام ونشر الأخبار التي تمتنع وسائل الإعلام المحلية من نشرها وإرفاقها بالتحاليل المفسرة والوافية لكي يتم تكذيب الدعاية السوفيتية وخلق النقمة والإمتعاض عند المتلقين على حكامهم.

٢. تفاوت في درجات تحقيق الأهداف
يجد المؤرخين والمحللين السياسيين إختلافات جزئية في توجهات هذه المحطات بالنسبة للحدث السوفيتي، فهي كانت تختلف في مواقفها بحسب توجهات بلدانها السياسية وتمييز ثقافة بلدانها. فراديو"أوروبا الحرة"، و"صوت أمريكا"الأمريكيتين عملتا على "تكذيب الدعاية السوفيتية" بشكل حاد بينما كان مسحة تقاليد المثقفين الفرنسيين اليسارية بادية في منحى التفسير المرن والذي إختلف بنبرته وحدته في الإنتقاد. بينما (بي بي سي) كانت تفضل عدم الإعتراض المباشر على مجابهة مواقف الإتحاد السوفيتي الرسمية. إختلاف هذه المحطات على تحديد مسافة واحدة وبموقف مطابق على نقل الأخبار، من وإلى الإتحاد السوفيتي، كان حسب ديفيد مورتون، الذي ترأس خدمة الـ بي بي سي في ثمانينات القرن الماضي مرده:"أن الناس الذين كنا نستضيفهم لم يكونوا بدون شعور لبلدهم الذي هاجروا منه، وكان بينهم ممثلي مختلف المهن ومن مختلف المستويات ووجهات النظر السياسية والثقافية، وكانوا يميلون في البحث عن وسيلة لمساعدة بلدهم للخروج من محنته بدل إنتقادهم الحاد".([57])
ثم هناك خاصية أخرى ينبغي تمييزها بين هذه المحطات. فغالبية الإذاعات التي تبث برامجها باللغات الأجنبية في أوروبا،وضمنها باللغة الروسية، تعتمد في تمويلها على المال العام، أي المال الذي تجمعه الحكومات من الضرائب، وتحصل المحطات على مخصصاتها عن طريق وزارة الخارجية أو الثقافة أو الهيئات المتخصصة، لكن "راديو الحرة" كان يمول، ولمدة طويلة من خزينة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وهي بذلك كانت تمثل سياسة الوكالة إزاء الإتحاد السوفيتي ومفادها: "لا تشارك الولايات المتحدة في مؤسسة خيرية لتوزيع المعلومات مجاناً، بل تعمل جاهدة لتحقيق أهداف سياستها الواضحة المعالم" وبذلك كانت مواقفها تختلف عن نظيراتها الأوروبية التي تعتمد على مصادر المال العام المباشر، مثل موقف "راديو فرنسا الدولية"، التي تمييزت بشيئ من الحيادية والسعي للمساعدة على "إيصال الحقيقة لمن يحتاجها كجزء من ثقافة حقوق الإنسان، التي هي جزء من التراث التاريخي لفرنسا"۔([58])
أن الحجة الرئيسية والرسمية التي كانت تتذرع بهاهذه المحطات كتبرير لتنظيم البث باللغة الروسية هي دوماً: نشر الديمقراطية بالقوة "الناعمة" وإتباع وسيلة "الإقناع وليس الإذعان" والتأثير على نهج السياسة السوفييتية الشيوعية، "الخطر الأحمر المهدد للأنظمة الديمقراطية" وتغيير خطها المعارض بحدة للنظام الرأسمالي لكل أوروبا الغربية. لكن الخلافات الإيديولوجية التي إتسمت بها علاقات المعسكرين وإتخذت شكل "الحرب الباردة" منذ الإنتهاء من الحرب العالمية الثانية كانت في الحقيقة إستمرارية  للتناقضات الجيوإستراتيجية القديمة لتلك الدول، وجزء من ميراث وتناقضات تاريخها، وهي جزء من الحالة المتغييرة بإستمرار في علاقاتهاوالتي لم تكن دوماً مستقرة على مدى التاريخ. وإلاّ يبدر سؤال وجيه يفرض نفسه من سياق الحديث عن الوضع القائم ما بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي حيث يبقى السؤال قائماً: هل ستستمر هذه الإذاعات بثها وبنفس أطقمها القديمة وعتادها؟


٣. انهيارالاتحادالسوفياتي
كان انهيار الاتحاد السوفييتي نتيجة لاستراتيجية الولايات المتحدة المتعمدة والمنهجية والمتعددة الأطراف (العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والنفسية والأيديولوجية)، إن الهدف الرئيسي من مجمل الأنشطة الغربية والأمريكية تستهدف إنهاك العدو وتفكيكه من الداخل. وتزامن هذا النهج عموما مع النتائج التي توصلت إليها العديد من نشاطات الحرب الباردة وتصريحات المسؤولين الحكوميين والبيانات في انتصار الولايات المتحدة على "إمبراطورية الشر". لقد كان انهيار الاتحاد السوفياتي هو الهدف من استراتيجية الولايات المتحدة في الحرب الباردة، وكان هذا الهدف بطريقة أو بأخرى ثابتاً بالفعل في وثائق رفعت عنها السرية في تلك الفترة. وكانت وكالة المخابرات المركزية تنظم وتشرف على العديد من العمليات المناهضة للشيوعية في المحطات الإذاعية الدعائية المختلفة. ونتيجة لهذه السياسة الهادفة لإضعاف وإنهاك الاتحاد السوفياتي، تم حقاً تقويض إقتصاده من خلال سباق التسلح المكلف، والحصار الإقتصادي على سلعه ومضاربة مبيعاته في الأسواق العالمية. ولتنفيذ هذه الاستراتيجية خصصت أموال ضخمة، بلغ 34 تريليون دولار.([59])
منطقياً بمجرد إنهيار الإتحاد السوفيتي إنتهى دور هذه المحطات وإنتفت الحاجة لعملها. لكن كما يبدو لم تتعطل استوديوهات البث السابقة ولا تتم الإستعدادات لنقلها أو وقف العمل بها. يقول المحلل الأمريكي دونالد جونسن: "الجميع كان يعتقد أنه مع انهيار الإتحاد السوفيتي ستنتهي تلقائيا الرقابة وستشهد الصحافة تقدماً سريعاً خالياً على طريقٍ خالٍ من المطبات؛ ومعه ستنتهي الحاجة للبث الخارجي وستحول الكثيرمن الإذاعات الغربية انتباهها لمناطق أخرى من العالم. أما ديفيد مورتون، الرئيس السابق لهيئة الإذاعة البريطانية (القسم الروسي) فقد ذكر "حقيقة أن يحدث تغييرا جذريا في غضون سنوات قليلة ليس إلاّ وهماً! " وطرق عمل الصحفيين في روسيا تتغير ببطء شديد. نعم أن الناس بدأوا بالتغيير والحديث بحرية أكثر، ولكن في السنوات الخمس عشرة الماضية، كانوا يستمعون إلى تعليمات من فوق بأكبر قدر "فلابد من الوقت الكافي من الإنتهاء من السلوكيات والعادات والذهنية المشحونة بالتقينات القديمة والتعاليم البالية".([60])
ويبدو كذلك أن المرحلة الجديدة من العلاقات بين طرفي "صراع أمس" لم ينتهي ولم تخمد كلياً الجمرات التي كانت تحمى عليها ببطئ "إهتداءات مستقبل"زاهر وواضح المعالم بدون الإتحاد السوفيتي". بالتأكيد تغييرت الوصفة وتغييرت المواضيع واللهجة. ولكن "بمجرد إنتهاء النظام السوفيتي لن تحل الديمقراطية بعصى سحرية، ولن تتغيير ذهنية الصحفيين بتغيير مسميات منابرهم وشعاراتها وستوديوهاتهم.هذه الأهداف بحاجة إلى أجوبة صافية نقية. ففي "التوازن الموضوعي" الذي حرصت عليها بي بي سي مثلاً هل يمكن إعتباره "هدية مجانية للعالم أجمع؟".([61])









الخاتمة
أن جزءاً كبيراً من الاجابات العلمية والموضوعية على أسباب إنهيار الإتحاد السوفيتي يقع، كما وجدنا، في معركة الإعلام. أما الذخيرة في هذه الحرب فكانت المعلومات، طبعاً لم تقتصر على نوعٍ واحد فقط بل أصبح التفنن في صياغتها لأجل إحداث أكبر أثر ممكن في المهج والمشاعر وأكبر إرتجاج وإرتداد في الذهنية والأفكار مجالاً للتنافس الشديد. لقد خاضت الأطراف المعادية معارك إيديولوجية للتعريف بسياساتها وأهدافها بالشكل والمحتوى التي إبتغتها الدولتين الكبيرتين المتصارعتين على مدى أكثر من 4 عقود من الزمن. لقد كانت معارك لا يدخر الطرفان أية وسيلة وحيلة إلاّ وإستخدمتها لتحقيق النصر على الطرف الآخر. والدليل القاطع الذي لا يحتاج إلى إثبات هو أن " الاتحاد السوفيتي لم يسقط تحت تأثير ضربات الصواريخ النووية ولم يكن محاصراً بالجيوش البرية .لكنه كان عرضة لتأثير "سلاح منظم فعال " وضحية لجملة من الاجراءات الدقيقة والمعقدة التي كان الغرب يرسم ويحيك خيوطها وفي المقام الاول الولايات المتحدة الامريكية.([62])
وهذا بالتحديد ما حدى بنا بإلقاء المسؤولية الكبرى، في هذه الدراسة، على عاتق سلاح الإعلام المستخدم في هذه الحرب (سواء "الداخلي" المدافع عن السوفيتي) المترهل والمقيد بالعديد من القوانين الديكتاتورية والغير عصرية، أو المعادي أو (المهاجم "الخارجي" على الإتحاد السوفيتي) المتمرس والمتجدد والمعاصر والمتقدم تقنياً.
أن الهوة بين إهتداءات الطرفين ووسائل الإقناع وأساليب الحرب النفسية المتبعة في هذه الحرب المختلفة تماماً عن كل الحروب التي سبقتها في أنحاء من العالم تبرز لنا العديد من الإستنتاجات و المفارقات التي تساعدنا على تفسير هذه المعركة الحديثة والجديدة والتي هي في غاية الحيوية من حيث النوعية والجدة،وبالتحديد بالنسبة للغايات العلمية.
لا بد لنا من معرفة أنالفترة التي استمرت فيها الحرب الباردةمنعام 1947 إلىعام 1991 جرت فيها العديد من التطورات التقنية النوعية وخلالهذه الفترة، تطورت بشكل هائل الوسائل والإمكانيات في تقنيات الاتصال ووسائل الإعلام من إذاعة وطباعة وتلفزيون. ورافق هذا التغييرالنوعي التقني لوسائل الإعلام كذلك تغيير لملكية هذه الوسائل من "الناطقة باسم الدولة"، إلى القطاع الخاص والمستقل. ولكن للإستدلال على قوة وحجم الطاقة المستهلكة في هذه الحرب يكفي الإشارة إلى الرساميل الضخمة والقوى البشرية المستغلة في الإعداد والتحضير للأساليب المبتكرة للدعاية والحرب النفسية في كلا الجانبين  "معرفة التمويل والمبالغ الطائلة المستثمرة في الإنتاج الدعائي"([63])، لكل طرف كمؤشر على عظمة التغيير المتحقق.
بـ "فضل" وسائل الإعلام، ترسخت في الثقافة الشعبية في الولايات المتحدة نوع من المعاداة الدامغة للإيديولوجية السوفيتية([64])،  تبين أنها أكثر فعالية بكثير من الأسلحة النووية ويفترض المؤرخون أن الأيديولوجية السوفياتية فقدت أسباب المواجهة المعلوماتية مع أيديولوجية من النمط الغربي، وغير قادرة على المنافسة معه. وأن ذلك كان نتيجة حرب المعلومات وبالوسائل الإعلامية۔([65])
























Summary
Responsibility of the media in the collapse of the Soviet Union
Most of the political and sociological studies that we have taken as sources in our research confirm the reasons behind the collapse of the Soviet Union: a set of objective and subjective factors accumulated throughout Soviet society that led to the rapid disintegration at a time when the system was ‘aging’.
The state system was deemed to be non-viable and the political nature of the Soviet society was increasingly weak and non-compatible as a result of the monolithic ideological orientation. On the other hand, the lack of understanding of any changes (occurring both inside and outside the USSR) brought the country to the brink of bankruptcy and, in turn, could not translate socio-economic reforms, including those in the field of media. 
On top of these conditions were added groups of professional anti-Soviet propagandists with enormous material resources, aiming at destroying the Soviet Union.
Most researchers also concurred that the long-term antagonistic set against the West, especially the United States, and the unsuccessful attempts of this latter at defeating the war machine and thus the Soviet Union turned their attention to the media and psychological war.
If not the internal corrosion, socio-political weaknesses, high degree of fatigue, and finally the lack of reform and modernization in the required extent, including in the field of mass communication, the country might have won in that confrontation.








المراجع المستخدمة في الدراسة:
المصادر باللغة الروسية:
1- Н.А. Брусницын : Информационная война и безопасность- издательство «Вита», Москва-2001
ن.أ. بروسنيتسين : الحربالإعلاميةوالأمن-دارنشر "فيتا"،موسكو 2001

2- Дмитрий Беляев: Разруха в головах, информационная война против России. Москва-2015
دمارفيالرأس- الحربالإعلاميةضدروسيا،موسكو-2015

3- В. К. Новиков: Информационное оружие- оружие современных и будущих войн. Москва-2014 ( 2-е издание исправленное)
ف.ك. نوفيكوف : السلاحالإعلامي-أسلحةالحروبالحديثةوالقادمة،موسكو، 2014) (الطبعةالثانيةمنقحة)

4- Игорь Панарин: СМИ, пропаганда и информационные войны )Информационная война против России
إيغور بانارين: "وسائل الإتصال الجماهيرية،الدعاية والحرب المعلوماتية."(الحرب الإعلامية ضد روسيا)، في الموقع المتخصص"تاريخ الدعاية" على الرابط:

5- Пятая колонна: хронология, факты и признания развала СССР
الطابور الخامس: التسلسل التدريجي للحقائق والإعترافات بحقيقة إنهيار الإتحاد السوفيتي

6- Мила Славская, «10главных причин распада СССР»
ميلاسلافسكايا: الأسبابالعشرالرئيسيةلإنهيارالإتحاد السوفيتي، النسخة الإلكترونية

7- Евгения Минеева ,Зарубежное радиовещание против СССР
يفغينيا مينييفا: الإذاعات الأجنبية الموجهة ضد الإتحاد السوفيتي، في الرابط

8- Николая Савченко.«О духовном кризисе Советского Союза - в цифрах.»
نيكولايسافجينكو:" حولالأزمةالروحيةفيالإتحادالسوفيتيبالأرقام

9- Василий Ордынский: Главные причины краха СССР - материализм и антихристианская идеология
فاسيلي أوردينسكي: الأسباب الرئيسية لإنهيار الإتحاد السوفيتي- المادية وإيديولوجية محاربة المسيحية

10- Александр Бабицкий СМИ во время холодной войны – главное оружие противников
الكسندر بابيتسكي: وسائل الإتصال الجماهيرية أثناء الحرب الباردة

11- роль и деятельность средств массовой информации (СМИ) СССР и США во время холодной войны.
دور وسائل الإتصال الجماهيرية للإتحاد السوفيتي وأمريكا أثناء الحرب الباردة

12- Дневники 1945 года. Последние записи Йозеф Геббельс
يوميات 1945 جوزيفغوبلز. النسخة الإلكترونية باللغة الروسية(293 ص). في موقع "روسليت" الرابط:

13- А.Плащинский, Роль стратегии США в распаде СССР
أ. بلاشينسكي: دور إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في إنهيار الإتحاد السوفيتي، في الرابط:
http://geopolitics.by/analytics/rol-strategii-ssha-v-raspade-sssr

 باللغة الإنكليزية


1-   ALEXANDER STAFFORD The Role of the Media During the Cold War: via: http://www.e-ir.info


باللغة العربية:

1.    عادل سمارة "الاتحاد السوفييتي من الثورة إلى الإنهيار"- محاضرة القاها الكاتب في السيمنار الشيوعي الأممي في بروكسل 1995 ونشر ضمن الكتاب الصادر عن المؤتمر
The Collapse of the Soviet Union: Causes and lessons, EPO, 1998.
2.    نجم الدين الدليمي: من المسؤول عن تفكك الاتحاد السوفيتي؟ الحوار المتمدن / العدد: 2858  2009 / 12 / 14  - المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية 
3.    نجم الدليمي .. د. يوسف سلمان / الحوارالمتمدن / -لعدد: 2004 - 2007 / 8 / 11
4.    علي العطار:  العولمة والنظام العالمي الجديد، دار العلوم العربية، القاهرة 2002 .
5.    د.سلوى أبو سعدة: الصحافة في الإتحاد السوفيتي، دارالموقف العربي، القاهرة،
6.    أشرف أمين، موقع متخصص بالإعلام: “Mass Communication”الرابط:
الصحافة:
١. يوميات جوزيف غوبلز
٢. جون كينيدي (من خطاب تنصيبه لرئاسة الولايات المتحدة 1961)
٣. من تقرير الكونجرس الأمريكي، جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكية 1992.
٤. من خطاب جورج دبليو بوش، رئيس الولايات المتحدة عام 1992 .



([1]) لقد كان الحزب والشبيبة الشيوعية والنقابات – بغض النظر عن مستواها التعليمي وموقعها في المجتمع وتطبيق الاشتراكية – بأكملها كوادر وإحتياطات طبيعية للجيش. كما ان مجموعة الشبيبة والطلاب المعدة للخدمة العسكرية يشكل احتياطا هاماً حيث يشكل منها كتائب قادرة للتحول الى مدارس ضباط احتياطية في حالة التعبئة. و بذلك يمكن اعتبار العلاقة بين القوة الحية و القوة التقنية للجيش الاحمر في تلك السنوات بمستواه وتدريبه هو الافضل بين الجيوش الأوروبية المتقدمة: الباحثان
([2]) نجم الدليمي: من المسؤول عن تفكك الاتحاد السوفيتي؟ الحوار المتمدن - العدد: 2858 - 2009/12/14  - المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية۔ 
([3]) هاني سمير علي، أمريكا وروسيا .. محطّات تاريخية من صراع القوة وبسط النفوذ! – تقريـر، في الرابط
 ([4])بوش: هيمنة الاتحاد السوفيتي "أحد الاخطاء الكبرى في التاريخ، موقع BBC Arabic، الرابط:

([5]) د.سلوى أبو سعدة: الصحافة في الإتحاد السوفيتي، دار الموقف العربي، القاهرة، ص16.
([6]) تم إستخدام المصطلح للمرة الأولى من قبل أمير في القرن الرابع عشر يدعى خوان مانونيل وبعد ذلك تم إستخدام المصطلح من قبل برنارد بارش وهو إقتصادي أمريكي وكان ذلك في مطلع 1947 وإستمرت هذه الحرب إلى أن انتهت أخيراً بسقوط الإتحاد السوفيتي وإنهياره سنة 1991 .للمزيد:
http://mawdoo3.com
([7]) Н.А. Брусницын : Информационная война и безопасность- издательство «Вита», Москва-2001
([8]) Дмитрий Беляев: Разруха в головах, информационная война против России. Москва-2015
([9]) В. К. Новиков: Информационное оружие- оружие современных и будущих войн. Москва-2014 ( 2-е издание исправленное)
([10]) المصدر نفسه، ص 22
([11]) د۔سلوى أبو سعدة: الصحافة في الإتحاد السوفيتي، دار الموقف العربي، القاهرة، ص26.
([12]) المصدر نفسه، ص28-29.
([13]) أشرف أمين، موقع Mass Communication” المتخصص بالإعلام، الرابط:
http://masscomm.kenanaonline.net/posts/137749
([14]) المصدر نفسه.
([15]) Дмитрий Беляев: Разруха в головах, информационная война против России. Москва-2015
([16]) Игорь Панарин: СМИ, пропаганда и информационные войны)Информационная война против России): http://propagandahistory.ru/books

([17]) لقد تبوأ نيكيتا خروتشوف- مثال البيروقراطي القروي الحزبي البسيط، ذو تعليم متواضع، (بمزاجه الفطري وسهولة إستدراجه للمعاشرة)، منصب أمين عام الحزب الشيوعي السوفيتي بعد وفاة ستالين. وقد تناولت شخصيته الغريبة الأطوار مرات عديدة من قبل الإعلام والدعاية الغربية في موضوعات للسخرية والإستهزاء بالنظام السوفيتي.
([18]) Панарин И.Н. СМИ, пропаганда и информационные войны. М.: Поколение, 2012
([19]) Дневники 1945 года. Последние записи Йозеф Геббельс ،
يوميات جوزيف غوبلز. النسخة الإلكترونية باللغة الروسية. في موقع "روسليت" الرابط:
([20]) جون كينيدي (من خطاب تنصيبه لرئاسة الولايات المتحدة1961)، في موقع " مكتب ومتحف الرئيس جون كينيدي" في الرابط: http://www.jfklibrary.org/Asset-Viewer/Archives/USG.aspx
([21]) تقرير الكونجرس الأمريكي،جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكية 1992 (عن: نجم الدليمي:
من المسؤول عن تفكك الاتحاد السوفيتي، الحوارالمتمدن - العدد: 2858 - 2009 / 12 / 14المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية۔
([22]) А.Плащинский, Роль стратегии США в распаде СССР
أ‌.        بلاشينسكي: دور إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في إنهيار الإتحاد السوفيتي، في الرابط:
([23]) وليام هاتشين، عولمة الاعلام، مفهومها وطبيعتها، فصل من كتاب (Encyclopedia of International Media and Communication)، ت:أ.م.د.حبيب كركوكي، موقع الحوار المتمدن:
([24]) نجم الدليمي:من المسؤول عن تفكك الاتحاد السوفيتي؟الحوار المتمدن-العدد: 2858 – 2009/ 12/ 14.
([25]) Пятая колонна: хронология, факты и признания развала СССР
 الطابور الخامس: التسلسل التدريجي للحقائق والإعترافات بحقيقة إنهيار الإتحاد السوفيتي
([26])  Мила Славская, «10главных причин распада СССР» https://www.google.iq/?gfe_rd=cr&ei=N3SDVJuSB-fo7Ab13IDgDQ#q
 ميلا سلافسكايا: الأسباب العشر الرئيسية لإنهيار الإتحاد السوفيتي، النسخة الإلكترونية
([27]) Николая Савченко.«О духовном кризисе Советского Союза - в цифрах.»
نيكولاي سافجينكو:" حول الأزمة الروحية في الإتحاد السوفيتي بالأرقام
([28]) Николая Савченко. «О духовном кризисе Советского Союза - в цифрах.»
نيكولاي سافجينكو:" حول الأزمة الروحية في الإتحاد السوفيتي بالأرقام
([29]) Николая Савченко. «О духовном кризисе Советского Союза - в цифрах. »
نيكولاي سافجينكو:" حول الأزمة الروحية في الإتحاد السوفيتي بالأرقام
([30]) المصدر السابق
([31]) Василий Ордынский: Главные причины краха СССР - материализм и антихристианская идеология: http://kuraev.ru/smf/index.php?topic=453834.0
فاسيلي أوردينسكي: الأسباب الرئيسية لإنهيار الإتحاد السوفيتي- المادية وإيديولوجية محاربة المسيحية
([32]) Мила Славская 10 главных причин распада СССР
ميلا سلافسكايا: عشرة أسباب رئيسية لسقوط الإتحاد السوفيتي
([33]) المصدر نفسه
([34]) Николая Савченко. «О духовном кризисе Советского Союза - в цифрах.»
نيكولاي سافجينكو:" حول الأزمة الروحية في الإتحاد السوفيتي بالأرقام http://pravoslavnij.livejournal.com/28329.html
([35]) роль и деятельность средств массовой информации (СМИ) СССР и США во время холодной войны.دور وسائل الإتصال الجماهيرية للإتحاد السوفيتي وأمريكا أثناء الحرب الباردة
([36]) المصدر نفسه
([37]) Дмитрий Беляев: Разруха в головах, информационная война против России. Москва-2015стр.34  (دمار في الرأس- الحرب الإعلامية ضد روسيا، موسكو-2015،  ص34)
([38]) Мила Славская 10 главных причин распада СССР
ميلا سلافسكايا: عشرة أسباب رئيسية لسقوط الإتحاد السوفيتي
([39]) عادل سمارة "الاتحاد السوفييتي من الثورة إلى الإنهيار"- محاضرة للكاتب القاها في السيمنار الشيوعي الأممي في بروكسل 1995 ونشر ضمن الكتاب الصادر عن المؤتمرThe Collapse of the Soviet Union: Causes and lessons, EPO, 1998.
)[40]) роль и деятельность средств массовой информации (СМИ) СССР и США во время холодной войны.دور وسائل الإتصال الجماهيرية للإتحاد السوفيتي وأمريكا أثناء الحرب الباردة
([41]) Александр Бабицкий СМИ во время холодной войны – главное оружие противников
الكسندر بابيتسكي: وسائل الإتصال الجماهيرية أثناء الحرب الباردة
([42]) ALEXANDER STAFFORD The Role of the Media During the Cold War
الكسندر ستافورد: دور الإعلام أثناء الحرب الباردة، الرابط:
([43]) وليام هاتشين، مصدر سابق
([44]) المصدر نفسه
([45]) المصدر نفسه
([46]) المصدر نفسه
([47]) المصدر نفسه
([48]) علي العطار: العولمة والنظام العالمي الجديد، دار العلوم العربية، القاهرة 2002، ص32
([49]) ALEXANDER STAFFORD The Role of the Media During the Cold War
الكسندر ستافورد: دور الإعلام أثناء الحرب الباردة، الرابط:
([50]) المصدر نفسه
([51]) المصدر نفسه
([52]) جوزيف ريموند مكارثي(14 نوفمبر 1908 - 2 مايو1957) نائب جمهوري بالكونغرس الأمريكي من ولاية ويسكنسن في الفترة ما بين عام 1947  إلى عام 1957  ومع بدايات عام 1950أصبح مكارثي من أشهر الشخصيات العامة في فترة بلغت فيها شكوك المعادين للشيوعية أوجها لتأثرهم بالتوترات الناتجة عن الحرب الباردة و قد ذاعت شهرته نتيجة ادعائه بدون دليل أن هناك عدد كبير من الشيوعيين والجواسيس السوفيت و المتعاطفين معهم داخل الحكومة الفيدرالية الأمريكية و في النهاية أدي نهجه إلى ضعف مصداقيته و تعنيفه رسمياً بواسطة مجلس الشيوخ الأمريكي و قد ظهر مصطلح المكارثية عام 1950 في إشارة إلى ممارسات مكارثي و تم استخدام هذا المصطلح بعد ذلك للتعبير عن الإرهاب الثقافي الموجة ضد المثقفين. و(المكارثّية) بالإنجليزية: McCarthyism) هي الممارسة التي تقوم على اتهام الناس بوجود صلة تربطهم بالمنظمات الشيوعية دون اثباتات كافية تدعم الادعاء
([53]) ALEXANDER STAFFORD The Role of the Media During the Cold War

([54]) Евгения Минеева ,Зарубежное радиовещание против СССР-
يفغينيا مينييفا: الإذاعات الأجنبية الموجهة ضد الإتحاد السوفيتي، في الرابط
([55]) المصدر نفسه
([56]) المصدر نفسه
([57]) المصدر نفسه
([58]) المصدر نفسه
([59]) А.Плащинский, Роль стратегии США в распаде СССР
أ. بلاشينسكي: دور إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في إنهيار الإتحاد السوفيتي، في الرابط:
http://geopolitics.by/analytics/rol-strategii-ssha-v-raspade-sssr
([60]) Евгения Минеева ,Зарубежное радиовещание против СССР
يفغينيا مينييفا: الإذاعات الأجنبية الموجهة ضد الإتحاد السوفيتي، في الرابط
([61]) المصدر نفسه
([62]) نجم الدليمي .. د. يوسف سلمان / الحوار المتمدن-العدد: 2004 - 2007 / 8 / 11
([63]) ALEXANDER STAFFORD, “The Role of the Media During the Cold War”, , 26 OCT  2013
([64]) Жукова Наталия Александровна
СРАВНИТЕЛЬНЫЙАНАЛИЗРОЛИСМИВПОЛИТИЧЕСКОМПРОЦЕССЕРОССИИИСША (1991-2008 ГГ.) ص3
([65]) Вячеслав Дорошин «Развал СССР. Роль США в уничтожении нашей Родины» литературный дневник-2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق